سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال أحد العلماء عندنا أن الختان ليس من الشرع وكان الفقهاء لا يرون فيه بأسا، نظرا للعادات القائمة في ذلك الوقت الحديث الوارد في أمر الختان ضعيف. وأن هذه العادة جريمة . والأطباء أجمعوا على أن ختان الإناث يضر ولا يَسر، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته . فهل هذا صحيح؟
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
الأصل في خطاب الشارع سبحانه وتعالى ، ومناط التكليف بأحكام الشريعة الإسلامية قائم على كون الإنسان ـ ذكرا أو أنثى ـ بالغا عاقلا.
فقد دل هذا الحديث الشريف على مشروعية الختان وجواز فعله مطلقا سواء كان المختتن رجلا أو امرأة.
قلت: والأصل كما هو معروف عند أهل العلم بأن الخطاب من الشارع سبحانه وتعالى إلى الرجال والنساء جميعاً ولا يجوز إخراج أحد من الخطاب إلا بدليل أيضا من الشارع الذي شَرع للناس جميعا، فهل هناك دليل يٌخرج المرأة من خطاب الاختتان ويبقى الفعل فقط للرجال، وإذا لم يكن هناك دليل فيبقى الأمر على ماهو عليه حتى يأتي الدليل.
هذه هي طريقة أهل العلم في استنباط الأحكام وإثباتها. ومعنى الفطرة في الحديث هي السنة كما ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم.
قال الإمام الشوكاني: "هذه الأشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات، وأشرفها صورة" وكما دلت السنة النبوية على مشروعية الختان وجواز فعله دل الإجماع على ذلك أيضا.
قال الإمام ابن حزم الظاهري : "اتفقوا على أن من ختن ابنه فقد أصاب، واتفقوا على إباحة الختان للنساء". ومعنى الفطرة في الحديث هي السنة كما ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم.
ثانياً:
أما قول هذا الجاهل بأن الختان للنساء ليس من الشرع ، فقد افترى على الله الكذب، قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)النحل: 116.
قلت: فإذا كان الختان ليس من شرع الله كما يدعي، فكيف تكلم فيه الفقهاء على حكمه واستدلوا بذلك من الكتاب والسنة والإجماع؟!
وقد اختلف الأئمة في حكم الختان على ثلاثة أقوال :
القول الأول : الختان واجب على الذكر والأنثى وهو مذهب الشافعية والحنابلة وبعض المالكية. الدليل: من الكتاب والسنة والعقل.
وجه الدلالة : أن الختان من ملته، فيكون داخلا في عموم المأمور باتباعه والأصل في الأمر أنه للوجوب حتى يقوم الدليل على صرفه عن ذلك. ب ـ دليلهم من السنة : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ النَّبِيَّ فَقَالَ : قَدْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ: "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ يَقُولُ أَحْلِقْ" قَالَ : وَأَخْبَرَنِي آخَرُ مَعَهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِآخَرَ : "أَلْقِ عَنْكَ شَعَرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ" .
قالوا: إن قوله"اختتن" أمر، والأمر للوجوب، فدل ذلك على وجوب الاختتان ولزومه، وخطابه للواحد يشمل غيره حتى يقوم دليل الخصوصية. واستدلوا أيضا بما روى عن الزهري قال: قال رسول الله : " من أسلم فليختتن وإن كان كبيرا". وهذا الحديث من المراسيل ولكن يصلح للاعتضاد به
وجه الدلالة: أن قوله: "فليختتن" أمر، والأمر للوجوب، وقد وقعت صيغة الشرط في قوله: "من أسلم" بلفظ عام فيشمل ذلك الرجال والنساء.
ج- دليلهم من العقل: استدلوا بالنظر والقياس أما دليلهم من النظر فينحصر في الوجوه التالية :
الوجه الأول: أنه يجوز كشف العورة له فلولم يجب لما جاز ذلك لأنه ليس لضرورة ولا لدواء .
الوجه الثاني: إن القفلة تحبس النجاسة، وإزالة النجاسة أمر واجب لمكان العبادات ولا تتم إزالة القفلة إلا بالختان، فيكون واجبا لأن ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب.
الوجه الثالث: إن ولي الصبي يؤلم بالختان، ويعرضه للتلف بالسراية، ويخرج من ماله أجرة الخاتن، وثمن الدواء، ولا يضمن سرا يته بالتلف، ولو لم يكن واجبا لما جاز ذلك.
الوجه الرابع: إن فى الختان ألما عظيماً على النفس وهو لايشرع إلا في إحدى ثلاث خصال لمصلحة، أو عقوبة، أو وجوب، وقد انتفى الأولان فبقي الثالث.
وأما استدلالهم بالقياس
الوجه الأول: إنه قطع شرعه الله لاتؤمن سرايته، فكان واجبا كقطع يد السارق.
الوجه الثانى: لأنه من شعار المسلمين فكان واجبا كسائر شعائرهم
القول الثاني : الختان سنة، وهو مذهب الحنفية وبه قال الإمام مالك وأحمد في رواية عنه.
الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "الفطرة خمس: الاختتان"
وجه الدلالة : إن المراد بالفطرة السنة، وعليه فإن الختان مسنون وليس بواجب، ولذلك قرن في الحديث بما ليس بواجب كالاستحداد. ما جاء في الحديث : عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ : "الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ ، وَمَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ" .
وجه الدلالة :إن الحديث نص على اعتبار الختان سنة بالنسبة للرجال ومكرمة بالنسبة للنساء وهذا ظاهر في الدلالة على عدم وجوبه على كلتا الطائفتين.
القول الثالث: الختان واجب على الذكور ومكرمة للإناث وهو رواية عن الإمام أحمد وبه بعض المالكية والظاهرية.
الدليل: احتج القائلون بالتفصيل ببعض ما تقدم من أدلة القائلين بوجوب الختان على الرجال والنساء.
وقالوا: إن الختان في حق الرجال آكد لأنه إذا لم يختتن فإن الجلدة المدلاة على الكمرة تمنع من إنقاء ما ثم والمرأة أهون, فلذلك كان واجبا عليه دونها. أهـ
وقد سئل شيخ الإسلام عن المرأة هل تختتن أم لا ؟؟
فأجاب : "الحمد لله. نعم، تختتن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك: قال رسول الله للخافضة وهي الخاتنة : "أشمي ولا تنهكي، فإنه أبهى للوجه، وأحظى للزوج" يعني: "لا تبالغ في القطع والمقصود بختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة ولهذا يقال في المشاتمة: يا بن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتار ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين. وإذا حصلت المبالغة في الختان ضعفت الشهوة فلايكمل مقصود الرجل، فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال". والله أعلم.
ثالثاً:
أما عن قول هذا البغي بأن بنات النبي صلى الله عليه وسلم لم يختتن إضلال وافتراء وتطاول على حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته. وعليه التوبة والاستغفار.
فالمعروف عند أهل العلم بأن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) و (العرب) في الجاهلية، كانوا يعرفون الختان ويفعلونه. و من الأمور المشروعة التي فعلها العرب قبل الإسلام، ثم أقرها الإسلام وأكد عليها واعتبرها من الفطرة. ودليل ذلك: ما ورد في حديث أبي سفيان بن حرب الطويل مع هرقل الذي كَانَ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ : " إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" ، قَالُوا : لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلَّا الْيَهُودُ فَلَا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَايِنِ مُلْكِكَ فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنْ الْيَهُودِ . فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ : اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ . وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ : هُمْ يَخْتَتِنُونَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَر"َ .رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَيُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ،وهذا يدل علي أن الختان كان يفعله العرب قبل ظهور الإسلام.
رابعاً:
هذه هي أحكام الختان عند الفقهاء وأهل العلم المعتبرين، نقلتها لكم من باب الأمانة العلمية والرد على رويبضة العصر. أما الفتوى بخصوص هذا الموضوع وما أذهب إليه هو:
بأن كل امرأة لها حكم حسب طبيعتها، فالعلة في الختان للإناث " تعديل شهوتها "وهذا يرجع إلى أهل الصنعة من الطبيبات المسلمات يحددن هل المرأة تختتن أم لا؟ بحسب حجم الجلدة التى هي كعرف الديك . والقاعدة الشرعية تقول: " الحكم يدور مع علته وجوداً أو عدماً " . فإذا كان في الختن ضبط الشهوة تختن وهذا من مصلحتها، وإن لم تحتاج فلا تختن "والمصلحة مقدمة على المفسدة ".