سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حالة من الجدل أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تدشين “هاشتاجات” تطالب بتشريع قانون يمنع تعدد الزوجات، ما أحدث خلافًا كبيرًا بين رواد الـ”سوشيال ميديا” ما بين المؤيدين الذين استشهدوا بدول عربية تطبق لهذا القرار مثل تونس، والمعارض المستند على الشرع الذي أحل التعدد حتى 4 زوجات، لكن بشروط محددة وواضحة. فما حكم الشرع في اصدار قانون بالمنع؟ جزاكم الله خيراً>
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
الأصل بأن أحكام الله عز وجل ثابته لا تتغير، ويجب الحكم بها والتحاكم إليها، ولا يجوز في الدول التى تحكم بالدساتير المخالفة لشرع الرحمن أن تقر قانون يخالف شرع الإسلام الذي تدين به.
قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء : 65
وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة :44
وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة :45
وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) المائدة :47
وقد وصف بعض أهل العلم دار الإسلام بأنها الدار التى يعلو فيها أحكام الإسلام حتى لو كان سكانها كافرون، ودار الكفر هي الدار التى لا تعلو فيها أحكام الإسلام، ولو كان سكانها مسلمون.
قال الكاساني: "وجه قولهما إن قولنا دار الإسلام ودار الكفر إضافة دار إلى الإسلام وإلى الكفر، وإنما تضاف الدار إلى الإسلام أو إلى الكفر لظهور الإسلام أو الكفر فيها ، كما تسمى الجنة دار السلام والنار دار البوار ، لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار، وظهور الإسلام والكفر بظهور أحكامهما ، فإذا ظهر أحكام الكفر في دار فقد صارت دار كفر فصحت الإضافة ، ولهذا صارت الدار دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها من غير شريطة أخرى ، فكذا تصير دار الكفر بظهور أحكام الكفر فيها" والله أعلم.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن دار الإسلام لا تصير دار كفر وإن غلب عليها الكفار وأجروا أحكامهم ما دام فيها مسلمون وتقام فيها شعائر الإسلام كصلاة الجماعة والجمعة ونحوها ، قال الدسوقي : ( لأن بلاد الإسلام لا تصير دار حرب بأخذ الكفار لها بالقهر ما دامت شعائر الإسلام قائمة فيها) إهـ.
ثانياً:
تعدد الزوجات ليس في دين الإسلام فقط بل كان معروفاً عند الأمم السابقة، وكان بعض الأنبياء متزوجاً بأكثر من امرأة ، فهذا نبي الله سليمان كان له تسعون امرأة ، وقد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجال منهم قيس بن ثابت كان متزوجاً بثمان نساء ، وبعضهم بخمس زوجات مثل نوفل بن معاوية، وكان لدى غيلان بن سلمة الثقفي عشر زوجات فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإبقاء أربع نساء وطلاق البقية.
ولقد أباح الإسلام التعدد بنصوص شرعية لا يجوز إلغائها أو نص قانون يمنعها.
فهذا نص في إباحة التعدد فقد أفادت الآية الكريمة إباحته ، فللرجل في شريعة الإسلام أن يتزوج واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً ، بأن يكون له في وقت واحد هذا العدد من الزوجات ، ولا يجوز له الزيادة على الأربع ، وبهذا قال المفسرون والفقهاء ، وأجمع عليه المسلمون ولا خلاف فيه .
كما ذهب أهل العلم بأن التعدد له ضوابط وشروط منها:
أولاً : العدل: لقوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) النساء/3 ، أفادت هذه الآية الكريمة أن العدل شرط لإباحة التعدد ، فإذا خاف الرجل من عدم العدل بين زوجاته إذا تزوج أكثر من واحدة ، كان محظوراً عليه الزواج بأكثر من واحدة . والمقصود بالعدل المطلوب من الرجل لإباحة التعدد له ، هو التسوية بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ونحو ذلك من الأمور المادية مما يكون في مقدوره واستطاعته .وأما العدل في المحبة فغير مكلف بها ، ولا مطالب بها لأنه لا يستطيعها ، وهذا هو معنى قوله تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) النساء:.129
ثانياً : القدرة على الإنفاق على الزوجات :والدليل على هذا الشرط قوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) النور:33. فقد أمر الله في هذه الآية الكريمة من يقدر على النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف ، ومن وجوه تعذر النكاح : من لا يجد ما ينكح به من مهر، ولا قدرة له على الإنفاق على زوجته ". المفصل في أحكام المرأة (6 /286).
والذي يظهر لي والله أعلم بأن التعدد يجري عليه الأحكام الشرعية الخمسة وهي:
(الوجوب ـ والاستحباب ـ والاباحة ـ والكراهة ـ والتحريم).
ثالثاً:
شرع الله عز وجل التعدد لحكم كثيرة لا نعلم منها إلا القليل وهي:
1ـ من الرجال من يكون قوي الشهوة، ولا تكفيه امرأة واحدة ، ولو سُدَّ الباب عليه وقيل له لا يُسمح لك إلا بامرأة واحدة لوقع في المشقة الشديدة ، وربما صرف شهوته بطريقة محرمة .أضف إلى ذلك أن المرأة تحيض كل شهر وإذا ولدت قعدت أربعين يوماً في دم النفاس فلا يستطيع الرجل جماع زوجته ، لأن الجماع في الحيض أو النفاس محرم ، وقد ثبت ضرره طبياً . فأُبيح التعدد عند القدرة على العدل .
2ـ قد تكون الزوجة عقيمة أو لا تفي بحاجة الزوج أو لا يمكن معاشرتها لمرضها ، والزوج يتطلع إلى الذرية وهو تطلع مشروع ، ويريد ممارسة الحياة الزوجية الجنسية وهو شيء مباح ، ولا سبيل إلا بالزواج بأخرى ، فمن العدل والإنصاف والخير للزوجة نفسها أن ترضى بالبقاء زوجة ، وأن يسمح للرجل بالزواج بأخرى .
3ـ تبين من خلال الإحصائيات أن عدد النساء أكثر من الرجال ، فلو أن كل رجل تزوج امرأةً واحدة فهذا يعني أن من النساء من ستبقى بلا زوج ، مما يعود بالضرر عليها وعلى المجتمع . والواقع خير شاهد من زيادة هائلة في نسبة العنوسة بين النساء.
4ـ التعدد سبب لتكثير الأمة ، ومعلوم أنه لا تحصل الكثرة إلا بالزواج . وما يحصل من كثرة النسل من جراء تعدد الزوجات أكثر مما يحصل بزوجة واحدة .
ومعلوم لدى العقلاء أن زيادة عدد السكان سبب في تقوية الأمة ، وزيادة الأيدي العاملة فيها مما يسبب ارتفاع الاقتصاد – لو أحسن القادة تدبير أمور الدولة والانتفاع من مواردها كما ينبغي – ودع عنك أقاويل الذين يزعمون أن تكثير البشرية خطر على موارد الأرض وأنها لا تكفيهم فإن الله الحكيم الذي شرع التعدد قد تكفّل برزق العباد وجعل في الأرض ما يغنيهم وزيادة وما يحصل من النقص فهو من ظلم الإدارات والحكومات والأفراد وسوء التدبير.
5ـ هناك مصالح مشروعة تدعو إلى الأخذ بالتعدد : كالحاجة إلى توثيق روابط بين عائلتين ، أو توثيق الروابط بين رئيس وبعض أفراد رعيته أو جماعته ، ويرى أن مما يحقق هذا الغرض هو المصاهرة – أي الزواج – وإن ترتب عليه تعدد الزوجات .
وعليه:
إنً مثل هذه القوانين التى تخالف الشارع الحكيم لا يجوز تشريعها وإلزام الناس بها، حتى لا يكون شرك بألوهية الله في الحاكمية.
والمعروف بأن مُصدر الأحكام في الشريعة الإسلامية هو الله تعالى وحده "
" وأن الحاكم لا خلاف في أنه الله ربُّ العالمين ".
يقول الشاطبي : " فالشريعة هي الحاكمة على الإطلاق، وعلى العموم، أي على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المكلفين ، والكتاب هو الهادي ، والوحي المنزل عليه مرشد ومبين لذلك الهدى، والخلق مهتدون بالجميع".
ويظهر جلياً أن اعتبار الحاكم هو الله تعالى أمر لا ينكره أحد.
ويقول الأنصاري في شرح مسلَّم الثبوت في أصول الفقه : " إن اعتبار الحاكم هو الله ، أمر متفق عليه بين أهل السنة والمعتزلة ".
وإذا تم تشريعها لا يجوز للناس العمل بها، بل الواجب عليهم مخالفتها والكفر بها.