هل لا يجوز مقاطعة الكفار إلا بأذن ولي الأمر؟ والرد على سالم الطويل
سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نسمع من بعض الدعاة بأنه لا يجوز مقاطعة بضائع فرنسا إلا بأذن من ولي الأمر منهم خالد الجندي وسالم الطويل وغيرهم ، فهل هذا الكلام صحيح؟
أفيدونا جزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
قبل الرد على هؤلاء المردفين علينا أن نأصل لهذه المسألة ونقعد القواعد ثم نفرع للرد على كل ما يدور حولها.
من هو ولي الأمر الذي يجب على المسلمين التزام طاعته؟
والجواب: ولي أمر المسلمين الذي تجب طاعته، هو الذي يتولى أمر دين المسلمين لأن هذا هو أمر المسلمين، فليس لهم أمر غير دينهم. وبهذا وردت النصوص. عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين" رواه البخاري.
وعن أم الحصين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أُمر عليكم عبدٌ مجدعٌ ـ حسبتُها قالتْ ـ أسودُ يقودكمْ بكتاب الله تعالى، فاسْمعوا لهُ وأطِيعوا" رواه مسلم.
ووجه الدلالة من الاحاديث: ما أقاموا الدين أو يقودون الأمة بشرع الله تعالى وكتابه وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسؤال لهؤلاء المرتذقة أصحاب (الفكر المدخلي الضال) و (حُطاب الليل العالة على الإسلام) هل أئمة المسلمين الأن ينطبق عليهم هذا الوصف المقيد لصحة ولايتهم التي توجب السمع لهم والطاعة؟ والجواب معروف.
وأما إذا كان ولي الأمر يحكم بالدساتير العلمانية أو الاشتراكية القومية أو الديمقراطية الليبرالية الغربية، أو غير ذلك مما هو سوى النظام الإسلامي المحتكم إلى شريعة الله تعالى، فهو ولي أمر ما تولاه، وليس ولي أمر على المسلمين، ولا سمع له ولا طاعة ، ويدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)النساء: 115.
ثانياً:
من الأصول المقررة عند أهل السنة والجماعة إذا كان ولي أمر المسلمين يحكم بما أنزل الله تعالى، فلا تكون المقاطعة إلا بأمر منه، ويجب على رعيته امتثال أمره، والسمع والطاعة له. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) النساء : 59.
ولكن بشرط أن تكون هذه المقاطعة لمصلحة عامّة لا تقابلها مفسدة أو ضرر أرجح منها؛ وذلك أن الأصل في تصرّفات الولاة النافذة على الرعية الملزمة لها في حقوقها العامة والخاصَّة أن تبنى على مصلحة الجماعة، وأن تهدف إلى خيرها. وتصرّف الولاة على خلاف هذه المصلحة غير جائز. ولذا قعَّد أهل العلم قاعدة : " تصرّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة " .
ثالثاً:
وإذا لم يأمر الإمام بالمقاطعة فلا يخلو الحال عن الآتي :
1ـ أن يعلم المسلم أنَّ قيمة ما يشتريه يعين الكفارعلى قتل المسلمين أو إقامة الكفر. فهنا يحرم عليه أن يشتري منهم ؛ وذلك لأن الشراء منهم والحال ما ذكر مشمول بالنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، ومشمول بقاعدة سد الذرائع المفضية إلى الحرام . سئل ابن القاسم: عن النصراني يوصي بشيء يباع من ملكه للكنيسة هل يجوز لمسلم شراؤه فقال : لا يحل ذلك له لأنه تعظيم لشعائرهم وشرائعهم. وسئل في أرض لكنيسة يبيع الأسقف منها شيئاً في إصلاحها ؟ فقال: لا يجوز للمسلمين أن يشتروها من وجه العون على تعظيم الكنيسة
2ـ أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام من قتال المسلمين أو إقامة الكفر ؛ فهذا باق على الأصل العام وهو جواز البيع والشراء وسائر المعاملات .فإن الأصل في البيوع الإباحة سواء منها ما كان مع المسلمين أو الكفار. وحيث لم يوجد ناقل عن هذا الأصل فلا يتغير الحكم.
3ـ أن لا يتيقن أن عين ما يشتري به منهم يستعان به على حرام ؛ لكن في مقاطعتهم مصلحة للمسلمين أو دفع ضرر ومفسدة. وهذا الذي يحدث الأن، بأن المقاطعة لبضائع الكافرين واجب شرعي ويحرم من يخالف هذه المقاطعة، حتى وإن لم يأمر به ولي الأمر الشرعي.
وإن قاطع المسلم بضائع الكفار المحاربين بصرف النظر عن هذه المقاطعة السببية ،وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم ، وإضعاف اقتصادهم، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن .
ثم هذه المقاطعة نوع من أنواع الجهاد المعنوي، حتى يتراجع هؤلاء الكفار عن محارب المسلمين. والاستهزاء برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال السعدي: "من أعظم الجهاد وأنفعه السعي في تسهيل اقتصاديات المسلمين والتوسعة عليهم في غذائياتهم الضرورية والكمالية، وتوسيع مكاسبهم وتجاراتهم وأعمالهم وعمالهم، كما أن من أنفع الجهاد وأعظمه مقاطعة الأعداء في الصادرات والواردات، فلا يسمح لوارداتهم وتجاراتهم، ولا تفتح لها أسواق المسلمين، ولا يمكنون من جلبها على بلاد المسلمين؛ بل يستغني المسلمون بما عندهم من منتوج بلادهم، ويوردون ما يحتاجونه من البلاد المسالمة. وكذلك لا تصدر لهم منتوجات بلاد المسلمين ولا بضائعهم، وخصوصاً ما فيه تقوية للأعداء كالبترول، فإنه يتعين منع تصديره إليهم.. وكيف يصدر لهم من بلاد المسلمين ما به يستعينون على قتالهم؟؟! فإن تصديره إلى المعتدين ضرر كبير، ومنعه من أكبر الجهاد ونفعه عظيم. فجهاد الأعداء بالمقاطعة التامة لهم من أعظم الجهاد في هذه الأوقات، ومن أعظم الخيانات وأبلغ المعاداة للمسلمين تهريب أولي الجشع والطمع الذين لا يهمهم الدين ولا عز المسلمين ولا تقوية الأعداء نقود البلاد أو بضائعها أو منتوجاتها إلى بلاد الأعداء! وهذا من أكبر الجنايات وأفظع الخيانات، وصاحب هذا العمل ليس له عند الله نصيب ولا خلاق. فواجب الولاة الضرب على أيدي هؤلاء الخونة، والتنكيل بهم؛ فإنهم ساعدوا أعداء الإسلام مساعدة ظاهرة، وسعوا في ضرار المسلمين ونفع أعدائهم الكافرين، فهؤلاء مفسدون في الأرض يستحقون أن ينزل بهم أعظم العقوبات. والمقصود أن مقاطعة الأعداء بالاقتصاديات والتجارات والأعمال وغيرها ركن عظيم من أركان الجهاد، وله النفع الأكبر وهو جهاد سلمي وجهاد حربي".
قال شيخ الإسلام: " الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين ؛ فلا يؤخذ رأيهم ، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا" انتهى.
وعليه:
فإن المقاطعة من غير إذن ولي الأمر لا حرج فيها ولا مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، حتى لو كان الولي يحكم بما أنزل الله تعالى، ولم يأمر بها. بل هي واجبة على كل مسلم مستطيع كبير أو صغير، ولا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ممن يوالى أهل الكفر والطغيان على أهل الحق أهل الإسلام.
والله تعالى أعلى وأعلم
التعديل الأخير تم بواسطة محمد فرج الأصفر ; 11-07-2020 الساعة 01:48 AM.