السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ ظهور وانتشار الفيروس في مصر، شاع في عدة محافظات أن يعترض الأهالي على دفن ضحايا «كورونا» في مقابر عائلاتهم القريبة من منازلهم، بدعوى الخوف من انتشار العدوى بفعل دفن جثامين الضحايا بالقرب منهم. فما خطورة دفن جثامين ضحايا كورونا في المقابر التقليدية؟ جزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المسلم له حرمه في حياته وبعد موته ولا يجوز انتهاك هذه الحرمة بفعل أو قول. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} الإسراء:70.
هذا وهو حي، ولم ينتهي التكريم بانتهاء حياته، بل امتدت إلى ما بعد موته، فجعلت حُرمة الميت كَحُرْمة الحيّ،
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (كسر عظم الميت ككسره حيًا) أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن.
وعَنْها أيضاً رضي الله عنها، قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) رواه البخاري والنسائي والدارمي ،وابن حبان، والحاكم، والبيهقي.
وهذا يدل على حرمة التعدي على الميت كما يحرم التعدي على الحي، وعدم التعرض له بالأذى أو الامتهان.
يقول الحافظ ابن حجر: "يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته".
ويقول الإمام الطيبي: "إشارة إلى أنه لا يهان ميتا، كما لا يهان حيّا".
ويقول الإمام الباجي: "يريد أن له من الحرمة في حال موته مثل ما له منها حال حياته، وأن كسر عظامه في حال موته يحرم كما يحرم كسرها حال حياته".
أما بالنسبة للدفن في المقابر التقليدية فهناك نوعين من المقابر في بلاد المسلمين.
واللحد والشق جائزان بإجماع العلماء ، غير أن اللحد أفضل ، لأنه هو الذي فُعل بقبر الرسول صلى الله عليه وسلم .
فعن سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مات فيه : (الْحَدُوا لِي لَحْدًا ، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا ، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه مسلم.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : " السُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ، كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ , لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ " انتهى .
ومن هنا يتضح لنا بأن الدفن في (اللحد) ليس فيه مخاوف لأن الميت منفرد في حفرة ولن تنبش بعد ذلك ويفتح عليه القبر، ولكن (الشق) هو الذي يفتح للدفن فيه مرة أخرى، فهل هناك خطر في دفن ميت مات بفيروس كورونا أم لا؟
وهذا السؤال يجيب عليه أهل الصنعة وأصحاب التخصص من الأطباء وخاصة متخصص الفيروسات، وبالبحث عن إجابة هذا السؤال وجدت الآتي:
يقول الدكتور عبدالهادي مصباح، أستاذ المناعة والميكروبيولوجي: «دفن ضحايا كورونا في مقابر عائلاتهم لا يشكل أي خطورة على السكان القريبين من المقابر، الميت بشكل عام لا ينقل المرض، إذ يتم تعقيمه وتطهيره في المستشفى قبل تكفينه، والفيرس يحتاج لخلايا حية ليتمكن من البقاء، وبالتالي لا داعِ للقلق نهائيًا».
ويقول الدكتور أشرف عقبة، رئيس قسم المناعة بكلية الطب جامعة عين شمس: «إن كورونا مجرد شريط وراثي مغلف بغلاف دهني، وليس كائنًا حيًا». ويضيف: «بأن فيروس كورونا لا يستطيع البقاء على الأسطح سوى فترة زمنية محدودة، وبالتالي فدفن ضحايا الفيرس في المقابر التقليدية التابعة للقرى أو المحافظات لا يتسبب في انتشار العدوى بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن أن ينتقل الفيرس بعد الدفن».
أما عن ما يفعله الناس من رفض دفن جثامين الضحايا بدعوى الخوف من انتشار العدوى بالقرب منهم. فهذا من الجهل ولعدم الرجوع لجهات التخصص. ثم إن هذا الفعل ليس من المروة والشهامة ولا يمت لديننا وقيمنا والإنسانية بصلة، بل يخالف الشريعة بعدم تكريم الميت. فمإذا إن كان المتوفى من الأطباء المرابطين الذين يواجهون الموت في كل لحظة ويضحون براحتهم بل وبأرواحهم من أجل سلامة ونجاة غيرهم، فالامتنان والاحترام والتوقير في حقهم واجب، والمسارعة بالتكريم لهم أوجب.
هناك مسألة لتمام الفائدة وهو حكم من لا يصلى عليه صلاة الجنازة في المسجد من ضحايا كورونا ؟، فلا بأس بالصلاة عليه بعد الدفن في قبره.ودليل المسألة هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم : فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ ( أي يُنظِّف ) الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا " رواه البخاري واللفظ له ومسلم.
ونسأل الله تعالى أن يرفع البلاء والوباء والغمة عن هذه الأمة
وأن يتقبل مواتنا في الشهداء