سؤال الفتوى:
السلام عليكم
قرأت خبر بأن أحد المحاكم العليا قضت بتنقية وتنقيح كتاب صحيح البخاري من الاحاديث المدسوسة وعلق أحد المستشارين على هذا الخبر بأن كتاب البخاري فيه من الخرافات وأن الأحاديث ليست وحياً فما صحة هذا الكلام مع التوضيح والبيان؟ وجزاكم الله خيراً
< جواب الفتوى >
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أولاً:
هذه الدعاوي ليس الأولى ولن تكون الأخيرة ، فالمعركة بين الحق والباطل مستمرة ، وهذه الدعوات المغردة نوع من أنواع القدح في السنة النبوية المطهرة ، وأن الأحاديث النبوية ليس بحجة في التشريع لأن فيها الضعيف والموضوع ، وأن القرآن وحده يكفينا ، وهذه المحاولات كلها سوف تبوء بالفشل لأن الذي تكفل بحفظ القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة هو الله تبارك وتعالى ، فهما الوحيين الذي نزل بهما جبريل عليه السلام على نبينا عليه الصلاة والسلام.
ثانياً:
أما إدعائهم بأن كتاب صحيح البخاري يحتاج تنقيح وبه خرافات ، لا يخرج إلا من أناس إما جهلاء أو في قلوبهم مرض أو ممن يحاربون السنة الشريفة أمثال القرآنيين الضالين.
فقد أجمعت الأمة على أن أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى هو صحيح البخاري ثم صحيح مسلم، ولا يجوز مخالفة الإجماع لأنه من الضلال المبين قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء: 115. قال ابن كثير: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} أي ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى اللّه عليه وسلم فصار في شق ، والشرع في شق وذلك عن عمد منه، بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له، وقوله: { ويتبع غير سبيل المؤمنين} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية ، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً ، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ ، تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم ، وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك. ومن العلماء من ادعى تواتر معناها ، والذي عول عليه الشافعي رحمه اللّه في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة بعد التروي والفكر الطويل ، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها على ذلك ولهذا توعد تعالى على ذلك بقول: { نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} أي إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسنها في صدره ونزينها له استدراجاً له كما قال تعالى: { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وقال تعالى: { فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم} وقوله: { ونذرهم في طغيانهم يعمهون} وجعل النار مصيره في الآخرة لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة كما قال تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}الصافات: 22. وقال تعالى: {ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفاً}الكهف: 53 .
ثالثاً:
أتفق أهل علم الحديث وأصحاب الصنعة على أن الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى ، ولهما من المنزلة الرفيعة ، والمكانة العالية ، في قلوب المسلمين ، خاصهم وعامهم ، عالمهم وجاهلهم ، ما هو معلوم . كما أتفق على أن صحيح البخاري أصح من صحيح مسلم ، من حيث الصناعة الحديثية .
قال ابن الصلاح :" وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز " مقدمة ابن الصلاح. قال النووي: " باتفاق العلماء " النكت على مقدمة ابن الصلاح.
وقال الحافظ في "مقدمة الفتح": " اقتضى كلام ابن الصلاح أن العلماء متفقون على القول بأفضلية البخاري في الصحة على كتاب مسلم".
وقال الذهبي:"وأما جامع البخاري الصحيح، فأجل كتب الإسلام، وأفضلهما بعد كتاب الله تعالى" إرشاد الساري.
وقال النووي: "أول مصنّف في الصحيح المجرّد، صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم. وهما أصح الكتب بعد القرآن. والبخاري أصحّهما، وأكثرهما فوائد" التقريب. ويقول أيضاً: "اتفق العلماء ـ رحمهم الله ـ على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان، البخاري ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول" شرح مسلم. وقال السخاوي: "صحيح البخاري وصحيح مسلم أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى" الغاية في شرح الهداية.
وقال ابن تيمية: "فإن الذي اتفق عليه أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتاب أصح من كتاب البخاري ومسلم" مجموع الفتاوي.
وقال إمام الحرمين الجويني: "لو حلف إنسان بطلاق امرأته: أن ما في الصحيحين مما حكما بصحته من قول النبي لما ألزمته الطلاق، لإجماع علماء المسلمين على صحته". وقال صديق حسن خان: "إن السلف والخلف جميعا قد أطبقوا على أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيح البخاري ثم صحيح مسلم" الحطة في شرح الصحاح الستة.
وقال الشيخ الألباني: "والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم" شرح العقيدة الطحاوية.
كما ذهبوا بأن مراتب الحديث الصحيح سبع مراتب
1ـ ما اتفق عليه البخاري ومسلم (وهو أعلى المراتب).
2ـ ثم ما انفرد به البخاري.
3ـ ثم ما انفرد به مسلم.
4ـ ثم ما كان على شرطهما ولم يخرًجاه ( أي يكون الحديث مروياً من طريق رجال الكتابين أو أحدهما).
5ـ ثم ما كان على شرط البخاري ولم يخرًجه.
6ـ ثم ما كان على شرط مسلم ولم يخرًجه.
7ـ ثم ما صح عند غيرهما من الأئمة كابن خزيمة وابن حبان مما لم يكن على شرطهما
رابعاً:
لو علم هؤلاء قدر هذا الكتاب؟! لكتب بمداد من ذهب لأنه أصح كتاب من البشر بعد كتاب رب البشر. ولو علم هؤلاء قدر البخاري؟! وهو أمير المؤمنين في الحديث وطبيب علله في القديم والحديث، ولو علموا لما وضعه وكيف وضعه؟! لتقربوا إلى الله عز وجل به.
نبذه عن البخاري: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة ن أهم علماء الحديث وعلوم الرجال والجرح والتعديل والعلل، عند أهل السنة والجماعة ، وأحد كبار الحفّاظ الفقهاء، وتربّى في بيت علم حيث كان أبوه من العلماء المحدّثين الراحلين في طلب الحديث، وطلب العلم منذ صغره حفظ القرآن الكريم ، وأمهات الكتب المعروفة في زمانه، حتى إذا بلغ العاشرة من عمره، بدأ في حفظ الحديث، والاختلاف إلى الشيوخ والعلماء، وملازمة حلقات الدروس،ثم حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وهو ابن ست عشرة. رحل في أرجاء العالم الإسلامي رحلة طويلة للقاء الشيوخ وطلب الحديث فزار أكثر البلدان والأمصار الإسلامية في ذلك الزمان للسماع من علماءها فسمع من قرابة ألف شيخ،وجمع حوالي ستمائة ألف حديث اشتهر شهرة واسعة وأقرّ له أقرانه وشيوخه ومن جاء بعده من العلماء بالتقدّم والإمامة في الحديث وعلومه،حتّى لقّب بأمير المؤمنين في الحديث.
والله تعالى أعلى وأعلم