أولاً:
قبل الإجابة على السؤال هناك بعد القواعد التي تأصل في الشرع من أجل بيان حكم هذه التهنئة ، ومنها:ـ
1ـ أنَ الاجتهاد لا يجوز في النصوص القطعية التي تتعلق بالثوابت الدينية ، من عقيدة وشريعة وبعض المعاملات التي جاءت بنصوص قطعيّة في دلالتها وثبوتها أو كانت محلّ الإجماع. والقطعيّات تتعلّق كذلك بكلّيات الشريعة ، وأصولها الأساسية في الحياة ، وقيمها الخالدة التي بها قوام الاجتماع الإنساني ، وعليها مدار العمران البشري.
2ـ لا يجوز الاجتهاد في الأمور الغيبية والتكلم عنها إلا بدليل شرعي.
3ـ لا يجوز الاجتهاد في الأمور التعبدية لإنهاء توقفية فلا يصح فيها الزيادة أو النقص ، حتى لا يخالف النص الذي ورد فيها من قولاً أو فعلاً.
ومن القواعد الأصولية التي لها صلةٌ بالاجتهاد ومجالاته قاعدة «لا مساغ للاجتهاد في مورد النصّ». وقد وردت هذه القاعدة بصيغة أخرى، وهي «لا اجتهاد في مورد النصّ» والمضمون العامّ لهذه القاعدة أنّ الاجتهاد مشروعٌ إذا انتفت الموانع، وتوفَّرت هذه الشروط:(أ) أن تكون المسألة المجتهَد فيها غير منصوص عليها بنصٍّ قاطع أو مجمع عليه.
(ب) أن يكون النصّ الوارد في النازلة محتمِلاً للتأويل، وقابلاً لأكثر من معنى.
(ج) أن تكون المسألة المجتهَد فيها من النوازل والوقائع الطارئة، أو ما يمكن وقوعه، والحاجة إليه ماسّة.
ثانياً:
بعد هذا التأصيل ننظر هل التهنئة تندرج تحت هذا أم لا؟ والظاهر إنها لا تندرج تحت أي منها ، فإذن هي تعتد من النوازل المستحدثه التي لم يرد فيها نص بالنهي أو بفعل. ثم ننظر هل هذه التهنئة لها مقصد من مقاصد الشريعة أو صارت عرف أو عادة بين الناس لا تخالف الشرع ؟ فإن كان كذلك فلا حرمة ولا حرج في فعلها.
ثالثاً:
أما الذي أراه في هذه المسألة بأن التهنئة بالعام الهجري الجديد فيه كثير من المقاصد الشرعية منها:ـ
1ـ تذكير المسلمين بما قدمه النبي الأمين صلى الله عليه وسلم لهذا الدين وما تحمله هو والرعيل الأول من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين من ظلم وبطش وطغيان من أجل الإسلام والدعوة إلى الله عز وجل وإعلاء كلمة الدين.
2ـ تحفيز المسلمين على العمل من أجل هذا الدين وتقديم كل ما هو غالى ونفيس كما فعل الأولين من المهاجرين والأنصار.
3ـ تذكير المسلمين بأن لهم تاريخ هجري يُعتز به ويُعمل به بدلاً من التاريخ الميلادي.
4ـ التهنئة فيه تواصل وتراحم وصله بين المسلمين أقارب وأرحام وأصحاب وسد للفرقة والتشتت والتمزق الذي تعاني منه الأمة الإسلامية الآن.
5ـ فيه إظهار لباقي الأمم الكافرة والتي لا تدين بدين الإسلام بأن هذه الأمة الإسلامية لها تاريخ هجري وليس تاريخ للأحداث فقط بل هو رمز لأمة لم تر الدنيا مثلها، ولهجرة لا تشبهها هجرة، ولشعائر دينية تعلقت بهذا التاريخ
6ـ تذكير الأمة بأن هذا التاريخ هو انتهاء مرحلة الضعف والاستضعاف والذل والمهانة في مكة، إلى مرحلة العزة والكرامة وبناء دولة إسلامية يحكم فيها بالعدل والقسط وبما شرع الله تعالى، وانطلاق للفتح الإسلامي الأكبر. ولعل الأمة تفيق مما هي فيه من ضعف ومهانة وتتشوق إلى أيام العزة والكرامة.
رابعاً:
الواجب على طالب العلم الشرعي الفقيه التحرر من التقليد الأعمى في نقل الفتاوى دون النظر والتمحيص في الأدلة والوقائع والمآلات الحديثة. ويحرم على الناس ما لم يحرمه الشرع ، بل حرمه المشايخ والعلماء ، أو يضيق على الناس ما وسعته الشريعة لكل ما هو حديث من وقائع ونوازل.
لقد ذهب عمر بن عبد العزيز وأبو حنيفة والراجح من مذهب مالك وقول للإمام أحمد والبخاري والثوري والحسن البصري بجواز إخراج زكاة الفطر نقود مع وجود نص صريح بإخراجها طعام وحجتهم ما ورد عن الإمام مالك بسند صحيح: " أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم" والفقراء يحتاجون في هذا اليوم للمال ولا يطلبون الطعام. وبصرف النظر مع صحة هذا القياس وفساده، ولكن المقصود سعة الشريعة بالنظر وتغاليب المصالح والمقاصد
وكذلك ما فعله شيخ الإسلام: قال ابن القيم: (َسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ يقول مَرَرْت أنا وَبَعْضُ أَصْحَابِي في زَمَنِ التَّتَارِ بِقَوْمٍ منهم يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَأَنْكَرَ عليهم من كان مَعِي فَأَنْكَرْت عليه وَقُلْت له إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَصُدُّ عن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَهَؤُلَاءِ يَصُدُّهُمْ الْخَمْرُ عن قَتْلِ النُّفُوسِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ فَدَعْهُمْ)
وهذا من عظيم فقهه، فقد نظر فوجد أن المصلحة المجتباة من منعهم تتعارض بمفسدة قتل المسلمين وسلبهم ، فقدم درء المفسدة على جلب المصلحة ، وهذا هو دور الفقيه العالم أن يحافظ على أرواح الناس وممتلكاتهم.
ثم اتعجب ممن يسمون أنفسهم أو من يطلقون عليهم كبار العلماء تجد فتواهم منتشرة في الأمور الصغيرة التافهة أما الأمور العظام لم نسمع لهم صوتاً ، أين هم فيما يحدث الآن من مؤامرات ضدد هذه الأمة وعلمائها المخلصين والحرب على الإسلام ، وما يفعله البعض لتغير هوية الأمة وطمس عقيدتها والولاء والبراءة ، وما يخطط له من تطبيع مع اليهود والولاء للكافرين وضياع المقدسات والحقوق.
وما نملك إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا، والله أعلى وأعلم