وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبل الرد يجب توضيح مصطلحات مهمة للمسلم، حتى يقف عليها وهي:
تعريف الدين في اللغة: لها عدة معاني منها الجزاء والطاعة.
تعريف الدين عند العلماء : بأنه " أسم لجميع ما يُعبد به الله " أوبأنه : " وضع إلهي لأولي الألباب يتناول الأصول و الفروع " أو بأنه : " ما يدان به من الطاعات مع اجتناب المحرمات" .
الدين في المفهوم القرآني :هو الطريقة الإلهية العامة التي تشمل كل أبناء البشر في كل زمان و مكان ، و لا تقبل أي تغيير و تحويل مع مرور الزمن و تطوّر الأجيال ، و يجب على كل أبناء البشر إتباعها ، و هي تُعرض على البشرية في كل أدوار التاريخ بنحو واحد دون ما تناقض و تباين ، و لأجل ذلك نجد القرآن لا يستعمل لفظة الدين بصيغة الجمع مطلقاً ، فلا يقول : " الأديان " و إنما يذكره بصيغة المفرد ، كما يقول : ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾آل عمران: 13 ، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ ال عمران : 85 ، في حين أن " الشريعة " تعني مجموعة التعاليم الأخلاقية و الاجتماعية التي يمكن أن ينالها التغيير مع مرور الزمن و تطوّر المجتمعات و تكامل الأمم ، و لذلك لا يضير استعمال هذه اللفظة في صورة الجمع ، فيقال " شرائع " و قد صرّح القرآن بتعدد الشريعة .
فهو رغم تصريحه بوحدة الدين ـ كما مرّ في الآية السابقة ـ يُخبر عن وجود شريعة لكل أمة ، و يكشف بذلك عن تعدد الشريعة إذ يقول : ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ المائدة : 48 .
و على هذا فان البشرية دُعيت في الحقيقة إلى دين واحد و هو الإسلام الذي كان متحد الأصول في كل الأدوار و الأزمنة ، و كانت الشرائع في كل زمن و ظرف طريقاً للوصول إلى الدين الواحد ، و لم تكن الشرائع إلا طرقاً للأمم و الأقوام ، لكل قوم حسب مقتضيات عصره و مدى احتياجه .
و أما الملّة: فهي بمعنى السنن التي بها تقوم الحياة البشرية و تستقيم ، تلك السنن التي أودع في مفهومها " الأخذ و الاقتباس من الغير " .
و لذلك يضيف القرآن الكريم هذه العبارة ـ لدى استعمالها ـ إلى الرُسل و الأقوام ، إذ يقول مثلاً : ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ البقرة: 135 ، ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ يوسف : 37 .
و على هذا تكون الملة و الشريعة متحدين معنى و مفاداً مع فارق واحد هو أن الملة تضاف إلى غير الله ، فيقال : " ملّة محمد " و " ملّة إبراهيم " و لا تضاف إلى الله تعالى ، فلا يقال : " ملّة الله " انتهى.
وبعد هذا التوضيح يظهر لنا بأن وصف شيخ الأزهر للبوذية بأنه دين باطل ومردود عليه ، ولا يجوز لطويلب علم أن يقول هذا الكلام، فضلاً عن رجل في هذه المكانة، لأن الدين واحد وهو الإسلام ، وما قبل الإسلام من كتب سماوية فهي شرائع ، والبوذية ليس من شريعة السماء بل من الأرض وكفرٌ محض .
إن من عدل الإسلام وسامحة هذا الدين إذا كان في أعداءه، صفة من الصفات الحسنة، جاز لنا أن نلحقها بهم ونصرح بها إذا طُلب منا هذا.
قال تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) آل عمران : 75
وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة : 8
كما ورد بأن أصابت خيل رسـول اللـه صلى اللـه عليه وسلم أصابت ابنة حاتم الطائي في سبايا طيّ فقدمتْ بها على رسـول الله -صلى الله عليه وسلم.
فقالت:( يا مُحَمّد ! إن رأيتَ أن تخلّي عنّي فلا تشمِّت بي أحياء العرب ؟! فإنّي ابنة سيّد قومي ، وإنّ أبي كان يفُكّ العاني ، ويحمي الذّمار ، ويُقْري الضيف ، ويُشبع الجائع ، ويُفرّج عن المكروب ، ويفشي السلام ويُطعم الطعام ، ولم يردّ طالب حاجة قط ، أنا ابنة حاتم الطائي ) قال النبي صلى الله عليه وسلم:( يا جارية ، هذه صفة المؤمن حقاً ، لو كان أبوك إسلامياً لترحّمنا عليه خلّوا عنها فإن أباها كان يُحِبّ مكارم الأخلاق والله يحب مكارم الأخلاق )
والشاهد هنا: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره بصفات حاتم الطائي وعتق ابنته من أجل صفاته رغم كان على غير الإسلام.
ولكن مع الأسف الشديد ما قاله شيخ الأزهر عن البوذية يخالف الواقع ، فما يفعله البوذيين في المسلمين من تنكيل وحرق وقتل واغتصاب وطرد وتهجير يفوق جرائم كل الحروب والإبادة على مر التاريخ.
أما الثناء والتمجيد لما يعبدون من دون الله فهذا لا يجوز ولا يحل للمسلم أن يفعله أو يتقول به ، لإنه قادح في عقيدته وجارح في ولاءه لله عز وجل ، كما أنه مخل بتوحيده لله رب العالمين .
قال تعالى: (فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة 22
وقال تعالى: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَالْبَاطِلُ) الحج 62
وقال تعالي : (قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِأَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَلَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)الرعد 36-37
وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍغَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَفَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فاطر 3
وقال تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَلَهُمْ بِشَيْءٍ) الرعد 14
وقال تعالى:(وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْفَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس: 106
وقال تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَانَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) المائدة : 76
كما ورد في السير والمغازي: في معركة أحد جرت مناقشة بين أبي سفيان وبين المسلمين، قال أبو سفيان بعدما انتصر المشركون في معركة أحد مرتجزاً رافعاً شعار الجاهلية : " أعلوا هبل أعلوا هبل " فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه، فقالوا: (الله أعلى وأجل)هو يقول : أعلوا هبل أعلوا هبل مفتخراً بالصنم ، قال المسلمون : الله أعلى وأجل، أعلى من هبل، وأجل من هبل، قال : " لنا عزى – لنا صنم اسمه العزى - لنا عزى ولا عزى لكم" – عندنا صنم اسمه العزى وأنتم أيه المسلمون ليس عندكم صنم اسمه العزى – فقال المسلمون : (الله مولانا ولا مولى لكم ) أعظم من العزى، ماذا تساوى العزى من جانب ولاية الله -عز وجل- الله مولانا، ولا مولا لكم.
والشاهد : بأنه لا يجوز أن يُرفع من شأن صنم ويفتخر به، من قبل أعداء الله في حضرة المسلمين ، بل وجب على المسلمين الرد عليهم ، وإظهار العزة لله سبحانه وتعالى والعلو والتنزيه والموالاة له .
فكيف بعالم من المسلمين هو من يفتخر ويمجد صنم من دون الله عز وجل؟!!
فهذا لا يجوز ولا يحل ، بل هو ناقض من نواقض التوحيد ، ويجب التوبة والأوبة إلى الله عز وجل من هذا القول.