السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ينتشر في بعض مواقع الشيعة ، حادثة امتناع سيدنا عمر ومن كان معه من الصحابة رضوان الله عليهم من احضار ورقة وقلم للنبي صلى الله عليه وسلم ليكتب لهم وصية في مرض موته ، وأنهما عصا أمر النبي صلي الله عليه وسلم ؟ وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بأن يكون علي رضي الله عنه خليفة من بعده
فهل هذه الحادثة صحيحة ؟ وكيف نرد على هؤلاء ؟ وجزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه الحادثة وردت في صحيح البخاري بلفظ وفي صحيح مسلم بلفظ أخر.
1ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه
قال: ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ). قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: (قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع). رواه البخاري : كتاب العلم ـ باب كتابة العلم
2ـ وفي صحيح مسلم : كتاب الوصايا والصدقة والنحل والعُمرى ـ باب وصية النبي صلي الله عليه وسلم بإخراج المشركين من جزيرة العرب وبإجازة الوفد.
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ ثُمّ بَكَىَ حَتّىَ بَلّ دَمْعُهُ الْحَصَىَ ، فَقُلْتُ : يَا ابْنَ عَبّاسٍ وَمَا يَوْمُ الْخِمِيسِ ؟ قَالَ : اشْتَدّ بِرَسُولِ اللّهِ وَجَعُهُ ، فَقَالَ : (ائْتُونِى أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَاباً لاَ تَضِلّوا بَعْدِى) فَتَنَازَعُوا ، وَمَا يَنْبَغِى عِنْدَ نَبِى تَنَازُعٌ ، وَقَالُوا : مَا شَأْنُهُ ؟ أَهَجَرَ ؟ - بمعنى هذى بسبب مرض الموت - اسْتَفْهِمُوهُ ، قَالَ : (دَعُونِى ، فَالّذِى أَنَا فِيهِ خَيْرٌ ، أُوصِيكُمْ بِثَلاَثٍ : أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ) ، قَالَ : وَسَكَتَ عَنِ الثّالِثَةِ أَوْ قَالَهَا فَأُنْسِيتهَا) أخرجه البخاري واللفظ لمسلم . وهنا نجد المتن في مسلم موضحاً ما رواه البخاري ، بأن النبي صلي الله عليه وسلم لما وجد اللغط والتنازع ، أكتفى بالوصية لفظاً دون الكتابة.
إن المقرر في الشريعة وبنص القرآن الكريم، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أُنزل من ربه كاملاً من غير نقصان، وأن بتمام الشريعة وكمال الأحكام انقطع الوحي، وانتهت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال تعالي :(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة: 3
فلا يجوز أن يدعي أحد بأن النبي صلي الله عليه وسلم، كان يريد كتابة وصية تخص وحي أو حكم شرعي.
بَين النص في صحيح مسلم بأن الحادثة كانت يوم الخميس ، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فلو كان الأمر ذو أهمية بمكان ما سكت النبي صلي عليه وسلم عنه تلك الأيام كلها ، والمحرر في القاعدة الشرعية بأنه (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة) . وهذا بالاتفاق عند أهل الأصول.
أما القول بأن الصحابة وخاصة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عصا النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مردود على قائله ، مقدوح في ملة ، بل يطلب منه الاستتابة لأنه رد صريح القرآن وكذب ربنا العزيز المنان . وشكك في سيد الأنام صلي الله عليه وسلم.
قال تعالى : (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) الفتح : 18.
قال جابر: (كنا ألفا وأربعمائة )رواه البخاري
فهذه الآية ظاهرة الدلالة على تزكية الله لهم ، تزكية لا يخبر بها، ولا يقدر عليها إلا الله. وهي تزكية بواطنهم وما في قلوبهم ، ومن هنا رضي عنهم.
ومن رضي عنه تعالى لا يمكن موته على الكفر ؛ لأن العبرة بالوفاة على الإسلام. فلا يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام.
قال شيخ الإسلام : (والرضا من الله صفة قديمة ، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات الرضا -ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً - فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة ، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح ؛ فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له. فلو علم أنه يتعقب ذلك بما سخط الرب لم يكن من أهل ذلك)
وقال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) التوبة: 100
وعن ابن عباس قال : (لا تسبوا أصحاب محمد ، فإن الله قد أمر بالاستغفار لهم، وقد علم أنهم سيقتتلون) رواه أحمد في الفضائل وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية ، ونسب الحديث لابن بطة.
وقالت عائشة رضي الله عنها : (أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فسبوهم) رواه مسلم في كتاب التفسير
وقال أبو نعيم : (فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن، فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم. لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي -صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين)
وقال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) الحديد : 11.
قال مجاهد وقتادة : والحسنى : الجنة.
واستدل ابن حزم من هذه الآية بالقطع بأن الصحابة جميعاً من أهل الجنة
لقوله عز وجل: (وكلا وعد الله الحسنى) الفصل
أما دعوه الروافض بأن النبي صلي الله عليه وسلم كان سوف يوصي بالخلافة لعلي رضي الله عنه ، دعوه باطلة ومردودة بالنص والإجماع .
فالنصوص صريحة بأفضلية أبو بكر عن سائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وأنه الرجل الثاني بعد نبي هذه الأمة.
قال تعالى: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة : 40
قالت عائشة وأبو سعيد وابن عباس رضي الله عنه وكان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبٌ رأسه بخرقة فقعد على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : (إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ، ولو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر).
وفي رواية لمسلم والترمذي : (إلاَّ أني أبرأ إلى كلٍّ خلٍّ من خلِّه ، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، إنَّ صاحبكم خليل اللّه)
قوله : إن أمنَّ الناس ، قال ذلك تسلية لأبي بكر ، ودفعاً لحزن حصل له بخبر الرحلة النبوية ، وإظهاراً لفضله على سائر الصحابة ، ومعناه أن أمنَّ الناس اسم تفضيل من المنّ يعني كثير المنَّة والإِحسان عليّ في صحبته وماله أبو بكر حيث صحبه إذا لم يصحبه غيره فكان رفيقه في الغار ، وأسلم حين لم يسلم أحد من الرجال ، وكان له عند ذلك على ما رُوي أربعون ألفاً أنفقها كلَّها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
قوله : ولا يُبْقَيَنَّ (بصيغة المجهول) في المسجد. خَوْخَة : (باب صغير إلى المسجد يدخل منه) . إلاَّ خوخة أبي بكر، (وفيه منقبة عظيمة لأبي بكر، وإشارة إلى استخلافه لكونه الخليفة محتاجاً إلى المسجد في كل وقت).
وعن أبي هريرة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلاَّ قد كافأناه ما خلا أبا بكر فإنَّ له عندنا يداً يكافئه اللّه بها يوم القيامة) رواه البخاري
قال الحافظ: فإن ذلك يدل على ثبوت يد لغيره إلاَّ أن لأبي بكر رجحاناً ، فالحاصل أنه حيث أطلق أراد أنه أرجحهم في ذلك. ، وما نفعني مال أحد قطٌّ ما نفعني مال أبي بكر.
أما منزلته عند النبي صلي الله عليه وسلم ليس لها منزلة بين الصحابة أجمعين:
فعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال أتت امرأة النبي صلى الله عليه و سلم فأمرها أن ترجع إليه قالت أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت قال صلى الله عليه و سلم إن لم تجديني فأتي أبا بكر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال : (مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف ، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس ، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال : (إنكن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فخرج أبو بكر فصلى ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ، فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع ، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم : أن مكانك ، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه).
قيل للأعمش: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه : نعم) . رواه البخاري ومسلم
وعن أنس بن مالك قال: (لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ، فأقيمت الصلاة فذهب أبو بكر يتقدم ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه ، فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا ، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يُقدَر عليه حتى مات) البخاري ، مسلم.
وهذا يدل دلالة واضحة على إمامة أبو بكر رضي الله عنه وأنه خليفة لهذه الأمة ، فقد رضي النبي صلي الله عليه وسلم وهو إمام الأنبياء والمرسلين ،أن يكون مؤتمن بأبي بكر رضي الله عنه ، فهل يشك أحد بأنه أحق بإمامة الأمة بعد نبيها صلي الله عليه وسلم غيره ؟! فمن لا يرضى بما رضي به النبي صلى الله عليه وسلم فهو منافق معلوم النفاق، أو مفارق لمذهب أهل السنة والجماعة من الشيعة الروافض المجرمين.