سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
انتشر مقطع فيديو من أيام على اليوتيوب للشيخ / محمد حسان
عن رواية زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها ، وأنها صنعت طعاماً وشراباً ودعت أباها وأهل قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فما صحة هذه الرؤية ؟ وجزاكم الله خيراً
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذه الرواية لا تصح سنداً ولا متناً ولا تاريخاً كما قرر أهل العلم من المحدثين والمؤرخين.
والرواية أخرجها الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في السنن والطبراني في المعجم الكبير كلهم من طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس به وفيه شك من حماد
حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بنسلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس فيما يحسب حماد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة وكان أبوها يرغب أن يزوجه فصنعت طعاما وشرابا فدعت أباها وزمرا من قريش فطعموا وشربواحتى ثملوا فقالت خديجة لأبيها إن محمد بن عبد الله يخطبني فزوجني إياه فزوجها إياه فخلعته وألبسته حلة وكذلك كانوا يفعلون بالآباء فلما سري عنه سكرهنظر فإذا هو مخلق وعليه حلة فقال ما شأني ما هذا قالت زوجتني محمد بن عبد الله قال أنا أزوج يتيم أبي طالب لالعمريفقالت خديجة أما تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت سكران فلم تزل به حتى رضي)
و عن هذا الإسناد يقول الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لمسند الإمامأحمد: إسناده ضعيف
شك حماد في وصله ثم إنه قد دلسه ؛ فقد رواه البيهقي في الدلائل عن حماد بن سلمة عن علي بن زيدعن عمار بن أبي عمار . فعادالحديث إلى علي بن زيد وهوضعيف.
وقال الواقدي: فهذا كله عندنا غلط ووهن فالرواية فيها علتان علة الانقطاع والشك في وصلها وتدليس حماد
وأما من ناحية المتن فهو منكر فلا يعقل بأن تقوم السيدة خديجة بنت خويلد بهذا الفعل الدنيء وهي سيدة من أعظم سيدات العرب حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً عفيفة ومن أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا ، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفًا.
كما أن الرواية مخالفة للواقع ، وللظروف ،والبيئة، فبنوهاشم في الذروة من قريش نسباً وشرفاً ، وقد صدع بها أبوطالب في مجمع حافل بالسادات فما نازعه فيها منازع ، ثم إن مثل النبي في شبابه الغض ، ورجولته النادرة ، وخلقها لك امل ممن تطَّاول إلى مصاهرته أعناق الأشراف ، وهذاأبو سفيان بن حرب وهو من هو في عدائه للنبي وبني هاشم ، لما بلغه أن النبي تزوج السيدة أم حبيبة ابنته ، ولم يكن أسلم بعدٌ قال : " هذا الفحل لا يٌقدع أنفه "
ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم وهو في ظهر أبيه نطفاً ، يُعقل أن يحضر مثل هذا المحفل ويقر عليه ويبنى زواجه من أمنا خديجة رضي الله عنها على معصية وتدليس. وقد أجمعت الأمة على عصمته وحفظ الله له قبل البعثة وبعدها.
ويتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مظاهر حفظ الله له قبل النبوة وفي صغره من نزعات الشباب ودواعيه فيقول صلى الله عليه وسلم : ( ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به ، إلا مرتين من الدهر ، كلتيهما يعصمني الله منهما ، قلت ليلة لفتى كان معي من قريش بأعلى مكة في أغنام أهله يرعاها : أبصر إلي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان ، قال : نعم ، فخرجت ، فجئت أدنى دار من دور مكة ، سمعت غناء وضرب دفوف ومزامير ، فقلت : ما هذا ؟فقالوا : فلان تزوج فلانة ، لرجل من قريش تزوج امرأة من قريش ، فلهوت بذلك الغناء وبذلك الصوت حتى غلبتني عيني ، فما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت فقال : ما فعلت ؟فأخبرته، ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ، ففعل ، فخرجت ، فسمعت مثل ذلك ، فقيل لي مثل ما قيل لي ، فلهوت بما سمعت حتى غلبتني عيني، فما أيقظني إلا مسُّ الشمس، ثم رجعت إلى صاحبي فقال:فما فعلت ؟قلت: ما فعلت شيئاً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل أهل الجاهلية حتى أكرمني الله بنبوته) رواه ابن حبان.
أما من الناحية التاريخية فالمحفوظ عن أهل العلم أن أباها خويلد بن أسد مات قبل (حرب الفجار وحزب الفضول) وأن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول اللهصلى الله عليه وسلم "
والرواية الصحيحة ذكرها ابن سعد في الطبقات الكبرى وكذلك ابن هشام في سيرته وهذا نصها :(وكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةًمَعَ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ فَلَمّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُبِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ بَعَثَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ لَهُ - فِيمَا يَزْعُمُونَ يَا ابْنَ عَمّ . إنّي قَدْرَغِبْتُ فِيك لِقَرَابَتِك ، وَسِطَتِكَ فِي قَوْمِك وَأَمَانَتِك وَحُسْنِ
ُلُقِك ، وَصِدْقِ حَدِيثِك ، ثُمّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا . وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا ، وَأَعْظَمَهُنّ شَرَفًا ،وَأَكْثَرَهُنّ مَالًا كُلّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْيَقْدِرُ عَلَيْهِ .فَلَمّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُعَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَعْمَامِهِ فَخَرَجَ مَعَهُ عَمّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، رَحِمَهُ اللّهُ حَتّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، فَخَطَبَهَا إلَيْهِ فَتَزَوّجَهَا .قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً وَكَانَتْ أَوّلَ امْرَأَةٍ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَتَزَوّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتّى مَاتَتْ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا).