صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها :
هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمها هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وهي أخت حمزة بن عبد المطلب، كان تزوجها في الجاهلية الحارث بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، ثم خلف عليها العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة. وأسلمت صفية وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهاجرت إلى المدينة (1).
وهي صفية المرأة القرشية الهاشمية، واحدة من الرعيل الأول لجيل الصحابة رضي الله عنهم، جمعت العديد من الأنساب وحظيت بالقرابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحيتين: من ناحية أبيه ومن ناحية أمه.
فهي ابنة عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، سيد مكة ورأس الأمر فيها، وصاحب الكلمة المطاعة والمشورة في الأمور كلها.
وهي بنت هالة بنت وهب أخت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم، فهي عمته وابنة خالته في آن واحد.
زوجها الأول، الحارث ابن حرب، هو أخ سفيان بن حرب سيد بني أمية.
وزوجها الثاني هو العوام ابن خويلد أخو خديجة بنت خويلد، أولى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه.
وهي أخت حمزة بن عبد المطلب، أسد الله، وشهيد أحد.
وهي أم الزبير بن العوام أبو عبد الله، حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى.
- نشأتها وتنشئتها لابنها الزبير:
نشأت صفية في بيت زعيم مكة وحكيمها المطاع عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، صاحب سقاية الحاج وسيد قريش.
فقد نشأت سيدة قرشية، فصيحة بليغة، شاعرة باسلة، في شعرها جودة، وفارسة شجاعة، تضرب بالسيف وتطعن بالرمح، كأمهر الفرسان وأشجع الشجعان، حتى أنها رضي الله عنها خلدت للتاريخ اسما لأول امرأة مسلمة تقتل رجلا كافرا.
وقد عاشت لولدها الزبير وتربيته تربية المرأة العظيمة لأحد رجال الأمة العظماء، فصنعت بذلك بطلا من أبطال الإسلام وعلما من أعلام الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وقد روي عنها رضي الله عنها، أنها بعدما ما عاتبها أعمامه على قسوتها عليه وضربها إياه بجفوة وغلظة وكأنها تبغضه، ردت عليهم منشدة:
من قال قد أبغضته فقد كذب *** إنما أضربه لكي يلب
ويهزم الجيش ويأتي بالسلب
فكان الزبير بن العوام كما أرادت رضي الله عنها، لقد كان رجلا بألف رجل كما أقرت ذلك فيه شهادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما كتب إلى عمرو بن العاص إبان فتح مصر: «إني أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف منهم رجل مقام الألف»، وكان الزبير على رأس هؤلاء الرجال الأربعة (2).
وقد ذكر المؤرخون أيضا أن أول سيف شهر في الإسلام كان هو سيف الزبير.
- إسلامها رضي الله عنها:
لا خلاف في إسلامها، وقد أسلمت قبل الهجرة.
فحينما نزل قول الله عز وجل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
"قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال يا فاطمة بنت محمد يا صفية بنت عبد المطلب يا بني عبد المطلب لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم" (3).
فأسلمت رضي الله عنها على الفور هي وابنها استجابة لنداء رسول الله، عالمة وعارفة أن ولايته صلى الله عليه وسلم «لا تنال بالنسب وإن قرب، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانا وعملا فهو أعظم ولاية له، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن، وفي هذا المعنى يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه *** فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب » (4).
وعندما جاء الأمر بالهجرة، هاجرت رضي الله عنها استجابة لأمر الله وأمر رسول الله، تاركة وراءها العز والرفعة اللذان كانت فيهما، وأبت إلا أن تكون من المهاجرين الأوائل، الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وتركوا ديارهم وانتقلوا إلى دار الإسلام, رغبة في رضا الله تعالى ورضا نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام.
- جهادها رضي الله عنها ومواقفها العظيمة:
* غزوة أحد:
رغم أن عمرها في غزوة أحد كان يقارب الستين عاما، فقد خرجت صفية رضي الله عنها في سبيل الله، مجاهدة صابرة ومحتسبة، تنقل الماء وتسقي العطشى، وتبرئ السهام وتداوي وتضمد الجراح. بل حملت السيف تدافع به عن النبي صلى الله عليه وسلم لما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وألقى بعض الصحابة السيوف وفر بعضهم عندما صاح إبليس أن محمدا قد قتل. وقامت رضي الله عنها برمحها تضرب في وجوه المنهزمين وفي وجوه المشركين الكافرين. فخلفت بذلك لنساء الأمة صورة مشرقة لقدوة صالحة ولامرأة عظيمة، لها مواقف تكتب بماء الذهب.
* موقفها من استشهاد أخيها حمزة:
لما استشهد أخوها حمزة بن عبد المطلب فيمن استشهد في غزوة أحد، أبت رضي الله عنها إلا أن تسطر درسا بليغا في الصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله، رغم أن الخطب كان جللا والمصاب أليما، كيف لا وقد قتل أخوها، ولم يكتفي المشركون بذلك بل مثلوا به رضي الله عنه شر تمثيل.
فقد روى ابن سعد أن صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها «جاءت يوم أحد وقد انهزم الناس وبيدها رمح تضرب في وجوه الناس وتقول: انهزمتم عن رسول الله! فلما رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "يا زبير المرأة". وكان حمزة قد بقر بطنه فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تراه، وكانت أخته، فقال الزبير: يا أمه! إليك إليك، فقالت: تنح لا أم لك! فجاءت فنظرت إلى حمزة» (5).
وفي رواية ابن اسحاق: «فقال لها ابنها الزبير: يا أمه! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فلما جاء الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك قال: "خل سبيلها"، فأتته فنظرت إليه فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن» (6).
* شجاعتها في غزوة الخندق:
روى ابن إسحاق: «كانت صفية بنت عبد المطلب في (فارع)، حصن حسان بن ثابت؛ قالت: وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان. قالت صفية: فمر بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت. قالت فقلت: يا حسان! إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله، قال: يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا؛ قالت: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا، احتجزت ثم أخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته. قالت: فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان! انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، قال: ما لي بسلبه من حاجة يا ابنة عبد المطلب» (7).
فكانت أول امرأة مسلمة تقتل رجلا من المشركين، وحمت بذلك نساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان في الحصن.
- بعض مراثيها رضي الله عنها:
قالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله، صلى الله عليه وسلم (8):
لهف نفسي وبت كالمسلوب *** آرق الليل فعلة المحروب
من هموم وحسرة ردفتني *** ليت أني سقيتها بشعوب
حين قالوا إن الرسول قد أمسى *** وافقته منية المكتوب
إذ رأينا أن النبي صريع *** فأشاب القذال أي مشيب
إذ رأينا بيوته موحشات *** ليس فيهن بعد عيش حبيبي
أورث القلب ذاك حزنا طويلا *** خالط القلب فهو كالمرعوب
ليت شعري كيف أمسي صحيحا *** بعد أن بين بالرسول القريب
أعظم الناس في البرية حقا *** سيد الناس حبه في القلوب
فإلى الله ذاك أشكو وحسبي *** يعلم الله حوبتي ونحيبي
وقالت صفية بنت عبد المطلب، تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب (9) :
أسائلة أصحاب أحد مخافة *** بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى *** وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة *** إلى جنة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنا نرجى ونرتجي *** لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا *** بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها *** يذود عن الإسلام كل كفور
- وفاتها رضي الله عنها:
عاشت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها زمنا طويلا، وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع بفناء دار المغيرة بن شعبة (10).
رحمها الله و ضي الله عنها
ونسأل الله أن يحشرنا معها
_______________________________
1- "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/41).
2- "حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة" للسيوطي (1/37).
3- رواه مسلم (304).
4- "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (36 /35).
5- "الطبقات الكبرى" لابن سعد (8/41).
6- "سيرة ابن هشام" (2 / 166).
7- "سيرة ابن هشام" - (2/228).
8- "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2/327-328).
9- "سيرة ابن هشام" (2/166).
10- "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر (2/105).