الحمد لله محدث الأكوان والأعيان ، وبدع الأركان والأزمان ، ومنشئ الألباب والأبدان ، ومنتخب الأحباب والخلان ، منور أسرار الأبرار بما أودعها من البراهين والعرفان ، ومكدر جنان الأشرار بما حرمهم من البصيرة والإيقان ، المعر عن معرفته المنطق واللسان ، والمترجم عن براهينه الأكف والبنان ، بالموافق للتنزيل والفرقان ، والمطابق للدليل واللسان ، فألزمهم الحجة بالقادة من المرسلين ، وأبهج المنهج بالسادرة من المحققين ، الذين جعلهم خلفاء الأنبياء، وعرفاء الأصفياء . المقربين إلى الرتب الرفيعة ، والمنزهين عن النسب الوضيعة ، والمؤيدين بالمعرفة والتحقيق ، والمقومين بالمتابعة والتصديق ، معرفة تعقب لمعرفتهم موافقة ، والصلاة على من عنه بلغ وشرع ، وبأمره قام وصدع ، ولمتبعيه غرس وزرع ، محمد المصطفي المصطنع . وعلى إخوانه من النبيين والمرسلي وعلى آله وصحابته المنتخبين وسلم.
من المصائب التي حلت بهذه الأمة في هذه الأزمان ، أن يصبح أهل الطغيان لهم سبيل على أهل القرآن ، الذين يدعون إلى الله على بصيرة ودين وهدي سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فيُحجب أهل القرآن عن تعليم الناس كتاب ربنا المنان ، ويُمنعون من تبليغ شرع النبي العدنان صلى الله عليه وسلم ، ولا أقول عامة أهل القرآن ، بل خاصتهم من شهد لهم أهل الأرضجميعاً بأنهم أعلم الناس بكتاب رب الناس، ويتباهه أهل الطغيان بهذا الفعل وذلك الصنيع الذي هو من صنيع الشياطين الذين سلكوا صراط إبليس اللعين .
إنَ فضل كلام الله عز وجل عن سائر الكلام ، كفضل الله على سائر البشر ، وفضل حملة القرآن عن سائر الناس كفضل أطهر الناس على سائر الناس ، لأنهم يحملون كلام رب الناس في قلوبهم ويجري في صدور ويُطلق في السنتهم .
عن شهر بن حوشب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه " سنن الدارمي . قال حسين سليم أسد : إسناده حسن وهو مرسل
وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الفضل بن موسى حدثنا محمد بن منصور المكي الجواز قال : رأيت سفيان بن عيينة وسأله رجل : يا أبا محمد ما تقول
في القرآن ؟ فقال : كلام الله منه خرج وإليه يعود "مختصر العلو للعلي الغفار ، الحافظ الذهبي،
إكرام حامل القرآن من إجلال الله تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) صحيح الجامع
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن لله تعالى أهلين من الناس . قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم أهل القران أهل الله وخاصته). صحيح الجامع
حديث أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اقرؤو القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). صحيح مسلم
قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال:( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين) . صحيح مسلم
(يرفع بهذا الكتاب ): أي بقراءته والعمل به (ويضع به): أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه.
القرآن يقدم صاحبه عند الدفن
حديث جابر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير
إلى أحدهما قدمه في اللحد). صحيح البخاري
صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة. ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة
الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ). صحيح الجامع
صاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من القرآن
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها). صحيح الجامع
في اللغة : طغيان ( اسم ) مصدر طَغَى وطغي . - ظلم . - تدفق السيل وارتفاع مائة .طغَى الشَّخصُ جاوز الحدَّ المقبول ، تجبَّر واستبدّ وأسرف في الظُّلم .والطُّغْيَان : تجاوز الحدَّ في الظلم أو في اندفاق الماء
وقال ابن شميل : الطاغية : الأحمق المستكبر الظالم
في الإصطلاح: فالطاغية إذن هو الذي لا يبالي بما يفعل فيقهر الناس ويغلبهم من غير خوف أو وجل أو حرج ويثنيه عن ذلك شيء ، وذلك لتجاوزه الحد في الجبروت والتعالي والتكبر والمعاندة والظلم وغمط الحق .
وهو ليس لأفعاله قانون يقيدها ، فهو فوق كل قانون ، وفوق كل اعتبار .
وتعريف الطاغية في التفاسير كما ذكر أن الجوزي والشوكاني( أنه الزيادة على القدر والخروج عن حيز الاعتدال في الكثرة ) .
وردت كلمة طغى ومشتقاتها في القران الكريم في( تسعة وثلاثين) موضعا :
وردت كلمة طغى : ست مرات ويطغى : مرتين أما كلمة طاغية فقد وردت مرة واحدة .وكلمة طغيان : وردت تسع مرات .
كما وردت ( طغيان ) مقرونة بكلمة ( يعمهون ) في خمس ايات كقوله تعالى ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) البقرة 5 ، وكان المعني للطغيان هنا الكفر والضلال .
وفي سورة ( ق ) الاية 27 قوله تعالى ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ، ولكن كان في ضلال بعيد ) والمعني عند الزمخشري ( ما جعلته طاغيا وما اوقعته في الطغيان ، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى ) . ( الزمخشري – الكشاف 4 \391 ) .
وهو ما ذهب اليه المفسرون في تفسير كلمة طغيان بما فيهم شيخهم الطبري .
من صفات أهل الطغيان: أن يحرموا أهل الخير من الخير وأهل العلم والفضل من أظهار الحق للناس لحجب الحقائق وقلبها ودمغ الحق حتى لا يكون إلا الباطل فيظن الناس بأن الباطل حق والحق باطل ، وتتغير المفاهيم وتنقلب الموازين ويضيع الحق والدين.
من صفات أهل الطغيان :الكذب لا أقول على الناس بل على الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فيحتجون بالآيات والأحاديث في غير موضعها ، من أجل تبرير فعلهم وتحليل ذنبهم ، وشرعنة إجرامهم .
ومن صفاتهم أيضاً : العلو في الأرض وطلب الملك والاستيلاء عليه بكل الطرق والحيل ولو بالدماء وجثث الأبرياء ، آلم تسمع قول الله سبحانه وتعالى في القرآن عن فرعون وأشياعه.
قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ القصص : 4
وقال تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ القصص : 39.
من صفات أهل الطغيان: أنه لا يستطيع أحد أن يرفع صوت على صوتهم أو يعارض رأيهم أو يقول قول بخلاف قولهم. وهذا هو منهج فرعون كل زمان ومكان
قال فرعون لقومه: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )غافر : 29
إن من صفات أهل الطغيان :الظلم والقهر والبطش والسجن والتشريد لمن يخالفهم في الرأي. وهذا ما قاله فرعون للفئة المعارضة له الموحدة الذين كفروا
بعبادته وعبد الله وحده عز وجل. قال لموسى عليه السلام :(لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ الشعراء : 29.
من صفات أهل الطغيان :الاستخفاف بعقول الناس، وتفريق جمعهم، وشق صفهم، ودب الفرقة والعداوة بينهم. ولنسمع إلى ماذا صنع فرعون بقومه
قال تعالى: ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ﴾القصص : 4
وقال تعالي:( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )الزخرف: 54
كذلك تجد أهل الطغيان :أهل بزخ وتبذير وطرف وصرف وإصراف على أنفسهم من خيرات البلاد وفيما لا ينفع غيرهم ، وترك باقي العباد من راعياهم يتجرعون الفقر والجوع والمرض فلا يجدوا الدواء ولا الكساء ولا الغذاء.
إن نهاية أهل الطغيان مذكورة في كتاب القرآن ، وظاهرة لأولي الأبصار ، من أمم غابرة وشعوب بائنة وملوك غادره طغت وتكبرت وجارت وظلمت أهل
التقى والصلاح أهل الدعوة والإصلاح أهل الدين والقرآن.
قال تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ،مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ
هَوَاء ،وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن
زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ، وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ
مِنْهُ الْجِبَالُ)إبراهيم: 42ـ46.
نسأل الله منزل الكتاب سريع الحساب هازم الأحزاب أن يهزم ويزلزل أهل الطغيان ، ويسلبهم هذا الإمهال ،
ويعجل بهم ويشفي صدور قوم مؤمنين
وأخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين