خبراء يؤكدون أن المالية الإسلامية تُرسخ القيم الإنسانية
أجمع مشاركون في ندوة دولية حول المالية الإسلامية، على "السمة الأخلاقية" للتمويل الإسلامي، والبعد التنموي لهذا النمط من الاقتصاد، لكونه يقدم عدة أشكال للتمويل مقارنة بالمعاملات المالية التقليدية التي تتأسس على أسلوب واحد يتمثل في القرض بالفائدة.
الندوة الدولية التي نظمتها أخيرا، كلية الحقوق والاقتصاد والمدرسة الوطنية للتجارة والتدبير، ومختبرات للبحث العلمي بمراكش، بتنسيق مع المدرسة العليا لمدينة ليون الفرنسية، عرفت مشاركة خبراء ومستشارين ماليين مغاربيين وأوروبيين.
ريع بنكي
الخبير والمحلل الاقتصادي، الدكتور عمر الكتاني، أرجع تأخر دخول هذه التمويلات إلى المغرب، إلى ما سماه "اللوبي البنكي" الذي يزاول الأبنكة بطريقة ريعية، وليس بطريقة تنافسية، ولهذا لا يتحمل المنافسة لكونه تعتمد نظاما واحدا هو نظام الفائدة".
وقال الكتاني إن النظام الإسلامي يقوم على أشكال متعددة في التمويلات، كالتمويل بالمشاركة والمرابحة، فالأول عملية يدخل بموجبها البنك الإسلامي في العملية الاستثمارية، كشريك يأخذ نسبة من الأرباح، وإذا كانت الخسارة يتحمل نصيبه".
ويتايع "البنك في هذه الحالة يهتم بمستقبل المشروع ويتابعه، لأنه كلما كان مربحا تزداد أرباح المصرف، بينما البنك التقليدي لا يهمه ما إن كان المشروع سينجح أم لا، لأن الشركة التي أخذت القرض ستؤدي الفائدة نفسها، سواء كانت الأرباح قليلة أو كثيرة".
أما المرابحة، وفق الكتاني، فتعني شراء البنك لسلعة وإعادة بيعها للزبون، مع نسبة من الربح، فبالنسبة لقروض السكن مثلا، يلجأ الزبون للبنك بعد أن يكون قد حدد العقار المراد شرائه وثمن الشراء مع المالك الأصلي، ليشتريه المصرف الإسلامي من مالكه، ويُعيد بيعه للزبون على شكل أقساط شهري، مع نسبة من الربح، ويسمى البيع بالكراء.
ولفت الكتاني إلى أن "العملية شبيهة بما يقوم به البنك التقليدي، لكن بين العمليتين يوجد فرق كبير، فالنسبة المضافة إلى المبلغ الأصلي للبيع، والتي تعتمدها المصارف الإسلامية، تُحدّدُ على أساس أنها نسبة من الأرباح وليس نسبة فائدة".
وفسر الكتاني دخول المالية الإسلامية للقارة الأوروبية بكون هذه الأخيرة براغماتية ونفعية، فالتمويلات الإسلامية تشكل مصدرا آخر للثروة، لذلك تبناها الغرب بشكل عقلاني وليس لسبب إيماني"، مشيرا إلى أن "المغرب سيصبح مركزا ماليا دوليا بفضل تلك التمويلات".
"الفوائد تقتل "
وشدد الدكتور محمد بوجلال من الجزائر، على أن القيمة المضافة لنظام التمويل الإسلامي، أنه يستجيب لطموحات الفرد المسلم في عدم التعامل مع الفائدة البنكية، الغير مقبولة أخلاقيا عند الكثير من الفلاسفة، كأرسطو قديما و"ميشيل تيبو كورنيو" الفرنسي حديثا.
واستدل بوجلال على ما وصفه بوحشية البنك التقليدي، بانتحار أكثر من 26 ألف شخص في الهند، بسبب تراكم ديون الفوائد، فالمرابي له عداد يشتغل دون أن يتوقف، ولا يهمه انتحار المدين أو خسارته، مما يعني أن هذا النظام في حاجة إلى منظومة القيم الإنسانية".
ونبه المحاضر إلى أن البنوك الإسلامية يجب أن تكون لها رؤية إستراتيجية، بعدم الاقتصار على ما يقوم به البنك التقليدي من دعم للاستهلاك فقط، بل يجب أن يقوم بتمويل المشاريع الكبرى التي ستساهم في التنمية وبناء الاقتصاد.
قوانين تعيق التطبيق
وقدم يوسف بغدادي، رئيس إدارة "دار الصفاء"، من خلال تجربة مؤسسته لأربع سنوات، نظرة تفاؤلية مردها إلى مصادقة الحكومة على هذه التمويلات سيقدم شيئا جديدا للمواطنين المتعطشين لهذه المعاملات المصرفية.
وذهب بغدادي إلى أن أربع سنوات من التطبيق اعترضتها بالخصوص صعوبات إدارية، فمنتوج "مرابحة" مثلا يخضع لقانون لا يلائم المالية الإسلامية، إذ يتحمل الزبون التسجيل والتحفيظ مضاعفا، ولكن "تمت أخيرا إزالة التسجيل، أما التحفيظ فلازال قائما".
وعبر المتحدث عن قناعته بأن "المنتوج البديل لن يغير المنظومة البنكية الحالية، بل سيشكل تكميلا لها"، وأبرز أن البنك الإسلامي يقوم بعمله مقابل نسبة الربح المحددة، وأن المغرب سيربح رواج أموال خارج الدائرة المصرفية لأسباب عقدية" وفق تعبيره.
واسترسل أن "المواطنين سيحققون الراحة النفسية، والتقليل من المشاكل الاجتماعية، كالانتحار الناتج عن العجز عن السداد، وانخفاض نسبية المديونية، إذ ستصل للأشخاص المعنويين إلى 25%، وتشجيع الاستثمار التشاركي الذي يلعب دورا كبيرا في التنمية الاقتصادية".
تقاسم الأرباح
وبدوره، قال البشير لخضر، الخبير بكلية الاقتصاد بمراكش، إن المالية الإسلامية تحمل في طياتها قيما إنسانية باعتبارها اقتصادا مشاركا، حيث إن هذه الخاصية كانت حاضرة في الاقتصاد التقليدي مع المفكرين الأوائل، مثل آدم سميت ودافيد ريكارد ودافيد هيوم وكارل ماركس".
وزاد لخضر بأنه "مع التطور الاقتصادي تناساها أو نسيها الفاعلون في الحقل المالي والمصرفي اليوم بفعل الجشع والبحث عن الربح بشكل أناني ومصلحي"، مضيفا "نحن اليوم نكتشف من جديد هذه القيم الإنسانية مع المالية الإسلامية".
ونبه إلى أن الإنسان ليس كائنا ماديا باردا، ولكنه إرادة واعية يحركها المعنى وتتعالى على بعدها الغرائزي الفطري"، مشيرا إلى ضرورة إبراز هذه القيم اليوم للمجتمع والعالم الخارجي، بمخاطبة الإنسان ككائن أخلاقي، وهو البعد الغائب في المجتمعات الأوروبية.
وخلص لخضر إلى أن الاقتصاد كما بني في البداية كان اقتصاد قيم، لذا علينا اليوم أن نوقف هذا العبث المالي، وإلا سنلقي بالمجتمع في الهاوية، والحل هو تقاسم الخيرات والأرباح" على حد قوله.