القدس حق للمسلمين
القدس حق للمسلمين، وهذا حكم ربنا عز وجل من فوق سبع سموات، يوم أن خلق الأرض ووضع فيها المساجد لعبادته عز وجل.
قال الله تعالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)الإسراء:1.
وعن أبي ذر قال: " قلت: يا رسول الله. أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل؟ قال: "المسجدُ الحرَام"، قلت: ثم أي؟ قال: "المسْجِد الأقْصَى"، قلت: كَمْ بينهما؟ قال: "أربعُونَ سنة" الحديث متفق عليه.
وعن أبي هريرة: أن النبي قال: "لا تُشدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجِد: المسجدِ الحرام والمسجِدِ الأقصَى ومَسْجِدِي هذا" أخرجه البخاري ومسلم. قال ابن تيمية: "بدأ الخلق والأمر من مكة المكرمة، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه؛ فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق وهناك يحشر الخلق؛ ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر)؛ فهو البيت الذي عظمته الملل، وأكرمته الرسل، وتليت فيه الكتب الأربعة المنزلة من الله -عز وجل-: "الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن".
و(المسجد الأقصى) هو اسمٌ لجميع ما دار عليه السور من المباني والساحات والآثار، وفي داخله المسجد الذي في صدره و(مسجد قبة الصخرة)، ولقد كان المسجد الأقصى كله مزاراً للأنبياء ومسرى لخاتمهم محمدٍ وكلهم عظموه وأكرموه. وقد ثبت ثبوتاً قطعياً أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم - عليه السلام باني الكعبة - وبين سليمان ـ عليه السلام- ما يقارب الألف عام؛ مما يؤكد قطعاً أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين. والذي ورد بأن قواعد البيت الحرام والمسجد الأقصى قام بوضعها الملائكة، وإنما كان لنبي الله إبراهيم وسليمان، شرف إعادة البناء والتجديد؛ كما فعل ذلك أولياء الله من رسله وأنبيائه بمساجد الله ومواضع عبادته، وكما فعل عمر بن الخطاب ومن بعده من خلفاء الإسلام.
ومن المقطوع به أن دين الأنبياء واحد، وإن اختلفت تفاصيل الشريعة؛ فكلهم يدعو إلى التوحيد، وإلى إفراد الله -تعالى- بالعبادة، وطاعته في شرعه وأحكامه.
وهذه الأحكام تتنوع من أمةٍ إلى أمة ورسولٍ إلى رسول؛ لذا فإن كل نبي يرث أرض الله بكلمته ورسالته؛ فهذا إبراهيم ولوط - عليهما السلام-وهما قبل يعقوب وإسحاق وسليمان؛ يقول الله عنهما: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء:71 قال الحسن: "هي الشام". وقال قتادة: "كانا بأرض العراق فأنجيا إلى الشام، وما نقص من الأرض زِيد في الشام، وما نقص من الشام زِيد في فلسطين، وكان يقال هي (أرض المحشر والمنشر) وبها مجمع الناس".ومثل هذا؛ قاله ابن جرير وابن تيمية وابن كثير -رحمهم الله- ونص ابن كثير: "إن الله سلم إبراهيم منةً لقومه، وأخرجه مهاجراً إلى بلاد الشام إلى الأرض المقدسة منها" انتهى.
وهكذا تبقى فلسطين -والمسجد الأقصى خاصة- مآلها لعباد الله المؤمنين؛ قبل أن يولد يعقوب وإسحاق، ثم إنه بعد مئات من السنين أنجى الله -تعالى- بني إسرائيل من ظلم فرعون مصر، وهاجر بهم موسى -عليه السلام- من مصر إلى سيناء.
وأمرهم بدخول الأرض المقدسة لكنهم أبوا وقالوا: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) المائدة:24، ولم يجب موسى منهم إلا رجلان فقط، وكتب الله -تعالى- عليهم التيه في الأرض أربعين عاما؛ توفي فيها موسى -عليه السلام- حتى خرج جيلٌ آخر أكثر صدقاً من آبائهم؛ فدخلوا الأرض المقدسة.وكتب الله عليهم الإخراج إذا أفسدوا في الأرض وطغوا؛ فكان ما كتبه الله، وتوالى منهم الكفران والطغيان؛ حتى أُخرِجُوا وتشرذموا في الأرض بعد ثلاثة قرون فقط.
ثم إنه بعد سنين؛ أورث الله الأرض المؤمنين أتباع عيسى -عليه السلام-؛ لأن الأرض لله يورثها من يشاء؛ فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل؛ فقد كانت للمؤمنين بعدهم: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الأنبياء:105.
حتى أذن الله -تعالى- ببعثة سيد الثقلين وخاتم النبيين وبشارتهم؛ محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي -صلى الله عليه وسلم-، وكان فتح بيت المقدس إحدى بشارته -كما في صحيح البخاري-، وكانت وراثته ووراثة أمته للأرض المباركة؛ هي سنة الله الممتدة على مر العصور، ومنذ عهد إبراهيم -عليه السلام-.وإن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في (بيت المقدس) ليلة الإسراء؛ كانت إعلاناً بأن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأن آخر صبغة لـ (المسجد الأقصى) هي الصبغة الإسلامية؛ فالتصق نسب المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة. وفي السنة الخامسة عشر للهجرة؛ تحققت النبوية ودخل المسلمون (بيت المقدس)، وقال البطارقة لا نُسلِّم مفاتيح بيت المقدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب؛ فإنا نجد صفته في الكتب المقدسة.وجاء عمر -رضي الله عنه- من المدينة المنورة إلى فلسطين، وتسلم مفاتيح (بيت المقدس) تسلماً شريفاً في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور، وأشرف على مدينة القدس من (جبل المكبِّر) حيث كبَّر وكبر معه المسلمون.جاء على جملٍ أحمر يتعاقبه هو وغلامه، وأقبل وغلامه هو الراكب وعمر آخذٌ بخطام البعير، ومر على مخاضةٍ من ماءٍ وطين فخلع موقيه -أي خُفَّيه- فأمسكهما بيد، وأمسك خطام البعير باليد الأخرى.فاستقبله أبو عبيدة معاتباً يقول: "لقد فعلت شيئاً عظيماً أمام أهل الأرض"، فدفعه عمر بيده في صدره وقال: "لو غيرك قالها ياأبا عبيدة! فقد كنتم أذل الناس؛ فأعزكم الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
هذا هوالطريق إلى فلسطين
دخل عمر بعزة الإسلام في يومٍ من أيام الله، وصلى في صدر المسجد مما يلي القبلة، وسأل عن (الصخرة)، وكانت مدفونة تحت القمامة والزبل؛ فأزال عنها القذر بعباءته، وتبعه الناس حتى طهر المكان.
اليهود أهل طغيان
هؤلاء اليهود عليهم لعنة ربنا المعبود، استعملوا كل أساليب الإبادة، فمرة بالإبادة الشاملة، ومرة بالحرب الفكرية، ومرة بإثارة الضغائن والأحقاد بين أبناء البلد الواحد، ولم تزل كل ألوان الحرب المعاصرة تستخدم ضد المسلمين، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
لقد رزئت الأمة باليهود المعتدين في الأرض المباركة فلسطين، سلب أولئك الخونة من ذلك الشعب المسلم أرضه، وشرده من مساكنه، واعتدى على مساجده ومقدساته، بل وسامه سوء العذاب. لقد تجاوز الاستكبار اليهودي حدوده، وبلغ طغيانه المدى سفكوا دماء الأطفال الرضع والشيوخ الركع والنساء العزل، ولم يكتف العدو بذلك فتجاوز طغيانه ووصل إلى حرمات المسلمين ومقدساتهم.
لقد سالت – عباد الله – دماء الأقصى تئن قائلة: وا إسلاماه وا إسلاماه، تطلب الغوث والنصرة مما تلاقيه على أيدي اليهود المعتدين.
فالنـور طـال غيابه *** والليـل مسدول الجناح
والقدس في أسر اليهود *** وهـم على دن وراح
والمسجد الأقصى غدا *** في الأسر مغلول السراح
لنـدائه في كل قلب *** مؤمـن وخـز الرماح
أين الذين يقودهـم *** للبذل ذبـح واجتيـاح
عباد الله: هل نسي المسلمون ما للأقصى من مكانة في الإسلام، أنسوا أن الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، صلى إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أثني عشر شهرا.
أنسوا أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله وتوحيده، أنسوا أن المسجد الأقصى تضاعف فيه الصلاة ويعظم الثواب، قال صلى الله عليه وسلم "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة". إن نسي المسلمون تلك المكانة الرفيعة لتلك البقعة المباركة، فإن المولى سبحانه قد تكفل بحفظها وإعادتها إلى حياض المسلمين، وسيبقى المسجد الأقصى منارة من منارات الإسلام الشامخة طال الزمان أو قصر.
اليهود والهيكل المزعوم
أيها المسلمون: إن أحلام اليهود ومخططاتهم لهدم المسجد الأقصى وإزالته، وتحويله إلى هيكل، ظهرت منذ احتلالهم للقدس عام 1967م, وحينها أصبحت القدس الشرقية من ضحايا الهزيمة التي حلت بالعرب آنذاك، ولقد صرح مؤسس الكيان الصهيوني: أنه لا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون انتزاع موقع الهيكل من العرب.
لقد جرت محاولات سابقة لحرق الأقصى وإزالته في عام 1967م، وعام 1984م، ومنذ حريق الأقصى وعمليات الاقتحام من الجماعات اليهودية المتطرفة لم تتوقف بحجة الصلاة في ساحته، ثم شرعت سلطات الاحتلال بأعمال حفريات تحت ساحات المسجد وأساساته بدعوى البحث عن آثار يهودية مقدسة، وهم يهدفون من خلال شق تلك الأنفاق وتفريغ التربة من تحت أساسات المسجد الأقصى, إلى تعريضه للانهيار عند أي عارض طبيعي, أو صناعي من الاهتزازات العنيفة. وقد اعترف أحد خبراء الآثار عند اليهود في تصريحات صحفية عام 1990م، قائلاً: سنقوم بإعادة بناء الهيكل الثالث على أرض المسجد الأقصى الذي تستطيع إسرائيل تصديعه باستخدام الوسائل الحديثة.
يا قدسنا المحبوب عذراً إننـا *** تهنا على درب الخلاف كما ترى
وقفت سدود الخائنين أمامنـا *** فاعذر فإن الشهم من قدا اعذرا
مهما تعددت المشارب حولنا *** مهمـا تطاول ظـالم وتجبـرا
فلسوف تبقى أمتي منصـورة *** ترنـو بعينهـا إلى أم القـرى
أولم يبشرها الرسـول بأنهـا *** ستظل أقوى في الوجود وأقدرا
ستظل طائفـة على إيمانهـا *** منصورة تبنـي الكيان الأكبـرا
إن هذه الأحداث قدر مكتوب على هذه الأمة لتنهض من كبوتها وتعي رسالتها، وترص صفوفها تحت راية واحدة: لا إله إلا الله محمد رسول الله. رحم الله السلطان "عبد الحميد الثاني" حينما قال بأن القدس لن تضيع إلا بتغافل المسلمين واسقاط دولة الخلافة، وأنا أقول له صدقت وأزيدك وبخيانة المنافقين والمردفين من هذه الأمة، والمتصهينين العرب منها.
أيها المسلمون: إن المستقبل لهذا الدين بلا منازع، لكنه لا يتحقق بالمعجزات السحرية، وإنما بالعمل والبذل لله من منطلقات صحيحة على منهج أهل السنة والجماعة، وإن محنة فلسطين ليست هي الأولى ولا الأخيرة، فقد تعرضت هذه الأمة لمحن كثيرة وقاسية, ومع ذلك لم تستسلم للجراح ولم تيأس, وظلت تكافح وتجاهد حتى نصرها الله على أعدائها.
عباد الله: أغيثوا أخوانكم جنود الأقصى الصابرين، أغيثوهم بالمال وبما تجود به أنفسكم, واعلموا أن أخوانكم هناك في الحركة الإسلامية، وفي مؤسسة الأقصى في الداخل الفلسطيني, يقفون بالمرصاد أمام الأعداء ومخططاتهم, فقدموا لهم ما يعينهم على إكمال مسيرتهم المباركة.واعلموا – عباد الله – أن من أبرز صور النصرة في هذا الموضوع خاصة: أن نبين لأبنائنا وإخواننا حقيقة المسجد الأقصى وحدوده؛ لكي لا نقع فيما يريده منا اليهود، وهو اعتقاد أن مسجد قبة الصخرة هو المسجد الأقصى فقط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان عليه السلام, وهو اسم لجميع ما دار عليه السور، ويشتمل على المسجد الذي في صدره وقبة الصخرة ا.هـ رحمه الله
وللحديث بقية