الحمد لله الذي أحل لنا الحلال وبينه وحرم علينا الحرام
وأظهره والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى أهل بيته
الأطهار وأصحابه الأخيار .
أما بعــــــــــــــــد
من الضلال المبين والشر المستبين في هذه الأيام ظاهرة انتشرت انتشار النار في الهشيم آلا وهي نكاح المرأة الثيب بدون ولي وذلك لقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله وما أتبعهم إلا هوى وغي دون فهم وتعبد سليم .
وهذا مما جعلني أكتب في هذه القضية العظيمة والبلية الكبيرة .
رأي المذاهب في هذا النكاح:
نكاح المرأة بولي أو بدونه مما بحثه الفقهاء تفصيلاً، وتباين اجتهادهم فيه،
فعند الإمام أبي حنيفة: أن المرأة إذا زوجت نفسها سواء كانت بكراً أو ثيباً جاز النكاح، وسواء كان الزوج كفئاً لها أو غير كفء فإن لم يكن كفئاً فلأوليائها حق الاعتراض عليه.
وعند صاحبه أبي يوسف: أن الزوج إن كان كفئاً أمر القاضي الولي بإجازة العقد فإن أجازه جاز، وإن أبى أن يجيزه لم ينفسخ وللقاضي أن يجيزه فيجوز. وعند محمد بن الحسن: صاحب الإمام أبي حنيفة يتوقف النكاح على إجازة الولي سواء زوجت نفسها من كفء أو غير كفء فإن أجازه الولي جاز وإن أبطله بطل، إلا أن الزوج إن كان كفئاً لها فينبغي للقاضي أن يجدد العقد إذا أبى الولي أن يزوجها من
وفي مذهب الإمام مالك: قال الإمام إنه لا نكاح إلا بولي وإن الولاية شرط في الصحة في رواية أشهب، وفي رواية ابن القاسم عن الإمام مالك أن اشتراط الولاية سنة وليست بفرض، حيث إنه كان يرى الميراث بين الزوجين بغير ولي.
وفي مذهب الإمام الشافعي: لا يجوز النكاح إلا بولي.
وفي مذهب الإمام أحمد: لا نكاح إلا بولي وشاهدين من المسلمي
وفي المذهب الظاهري: لا يحل للمرأة نكاح ثيباً كانت أو بكراً إلا بإذن وليها.
أدلة أقوال الأئمة
واستدل الإمام أبو حنيفة ومن معه: على جواز نكاح المرأة دون ولي بقول الله تعالى: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف. وبقوله جل ذكره: حتى" تنكح زوجا غيره. وقوله عز وجل: أن ينكحن أزواجهن. فدل هذا على إضافة العقد إلى المرأة وتملكها لمباشرته.
هذا في الكتاب، أما من السنة فاستدلوا بقول رسول الله: (ليس للولي مع الثيب أمر). وقوله عليه الصلاة والسلام: (الأيم أحق بنفسها من وليها). وهي المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً، كما استدلوا بعدد من الوقائع ومنها قصة الخنساء بنت خذام الأنصاري التي زوجها أبوها وهي ثيب، فكرهت ذلك الزواج فأتت رسول الله فرد نكاحها. ومنها قصة الفتاة التي جاءت إلى عائشة رضي الله عنها فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه لرفع خسيسته وإني كرهت ذلك. فقالت لها عائشة اجلسي حتى يأتي رسول الله، فلما جاء عليه الصلاة والسلام فأخبرته فأرسل إلى أبيها فقالت: أما إذا كان الأمر إلي فقد أجزت ما صنع أبي إنما أردت أن أعلم هل للنساء من الأمر شيء. كما أن الحنفية لم يأخذوا بحديث عائشة رضي الله عنها لأنه من الآحاد الذي خالف فيه الفعل القول ، بدليل أن عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن وهو غائ
وأما الذين اشترطوا الولاية في النكاح:
فاستدلوا بما روته عائشة أن رسول الله قال
(أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باط فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها الصداق بما استحل به منفرجها). وفي رواية: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). وما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:
"كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح، الزوج وولي وشاهدا عدل". واستدلوا بما أخبر به عكرمة بن خالد أن الطريق جمع ركباً
فيهم امرأة ثيب فولت رجلاً منهم غير ولي أمرها فزوجها، فجلد عمر بن الخطاب الناكح والمنكح ورد نكاحها. كما
استدلوا بأن رجلاً نكح امرأة من بني بكر فكتب وليها إلى عمر بن عبد العزيز يقول إنه وليها وإنها نكحت بغير أمره، فرد عمر نكاحها وقد أصاب الزوج منها .كما استدلوا على وجوب الولي بأن جمعاً من الصحابة والتابعين أجمعوا على أن المرأة لا تملك تزويج نفسها ولا غيرها ولا توكيل غير وليها في تزويجها، ومنهم عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وعمر بن عبد العزيز والثوري والشافعي وغيرهم .
وذكر أبو الوليد بن رشد القرطبي أن سبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة أنه لم تأت آية ولا سنة ظاهرة في اشتراط الولاية في النكاح فضلاً عن أن يكون في ذلك نص، بل الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترطها هي كلها محتملة، وكذلك الآيات والسنن التي يحتج بها من يشترط إسقاطها هي أيضاً محتملة في ذلك، والأحاديث مع كونها محتملة في ألفاظها مختلف في صحتها إلا حديث ابن عباس .
الخلاصـــــــة :
قـــــلت:
هذه خلاصة عن آراء الفقهاء، وسبق القول في هذه المسألة أنه مع تغير الأحوال بتغير الأزمان وما جد على العلائق بين الناس من تغير في السلوك تبعاً لواقع الزمن ومستجداته، وما
رافق ذلك من اختلاط في بعض المؤسسات التعليمية والعملية، وما نشأ عن هذا الاختلاط من علاقات تؤدي إلى اختيار المرأة لزوجها دون إذن وليها، بل إصرارها على هذا
الاختيار رغم ما قد يكون فيه من محاذير ومخاطر، فإن الواجب أن تكون الولاية شرطاً لصحة الزواج. ومع ما يؤيد هذا الشرط من الآثار التي استدل بها القائلون باشتراط الولي
فإن في هذا الشرط ضمان للمرأة نفسها حين يساعدها وليها في اختيار الزوج الصالح لها، وفيه ضمان لأوليائها للحفاظ على سمعتهم، ودرءاً لما قد ينشأ من مشكلات بينهم وبين أزواج لا يرغبون فيهم .
ولكن هذا الشرط يجب أن لا يكون وسيلة يتحكم بها الولي في موليته فيمنع زواجها عمن يشاء، ويختار لها من يشاء دون أن يراعي في ذلك إذنها، وأهلية الزوج لها مما ينتج منه إكراه، وقسر، ومفاسد كثيرة.
وتأسيساً على ما سبق وحيث إن عقد النكاح عقد عظيم تنبني عليه نتائج مهمة ومقاصد دينية ودنيوية، فإنه يجب اشتراط الولاية فيه حفظاً لمصلحة الزوجين وسلامة عقدهما .
ولهذا فإن على الذي فعل هذا أن يذهب إلى القضاء فيصحح عقد نكاحه، وذلك بإجازة ولي المرأة لهذا النكاح، فإن لم يكن ثمة ولي لها فالقاضي هو وليها وفقاً للأحكام الشرعية في هذا الخصوص .ويكون بذلك قد حقق قول الله عز وجل (( فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)) النساء 25
فتوى تخص المسألة :
السؤال:
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آل
وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ: لقد تزوَّج ابني الكبير من امرأةٍ بدون علْمي أو علم والدتِه، وكان عقد النِّكاح بدون ولي للمرْأة، وتمَّ عقْد النِّكاح لدى شيخ الجالية التي تتبع لها هذه المرأة؛ حيث إنَّها من الجنسيَّة الأثيوبيَّة، علمًا بأنَّه توجد محاكم شرعيَّة بالبلد الَّذي يقيم فيه ابني والمرْأة التي تزوَّجها، كما أنَّ الشهود على العقد وهم أبناء أخواتِي غير مشهود لهم بالاستِقامة، ويفعلون المنكَرات، ولا يصلُّون.
لذا أفيدوني بالتَّفصيل عن كلِّ ما ذكرتُه؟؟ وجزاكم الله عنَّا خيرًا، وأرجو الرَّدَّ على بريدي الإلكتروني، والسلام عليكم.
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلة وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد سبق أن بيَّنَّا أنَّ الزَّواج بغير وليٍّ وشاهدَي عدْل باطل، وأنَّ المرأة لا تملك أن تُزَوِّجَ نفسها، في الفتاوى وما أحيل عليْه فيها: "حكم زواج السر"، و"تزويج المرأة لنفسها"، و"تزوج الكفيل من العاملة المنزلية بغير ولي" ، و"حكم زواج المرأة دون علم أهلها"، " ومَنْ وليُّ المرأة في النكاح "، وفتويي اللجنة الدائمة: "من هو ولي المرأة الذي له حق تزويجها؟"، "الشهود شرط في صحَّة العقد".
إلاَّ أنَّنا ذكرنا في فتوى: "دفاعًا عن المفتي!"، أنَّ جُمْهُور أهل العلْم القائلين باشتِراط الولي قالوا: إنَّه نكاح شُبْهَة، فيدرأ به الحدّ، ويثبت به النَّسب إجماعًا؛ لأنَّه إمَّا أن يكون وطئًا صحيحًا، أو وطئًا بشبهةٍ، هذا إذا تَوَلَّى هذا العَقْدَ المذكورَ غَيْرُ الحاكِمِ أو نائِبِه، فإذا تولاَّه الحاكم أو نائبه، فإنَّه لا يُنْقَضُ.
قال ابن قدامة - الحنبلي - في "المغني" - بعد أن ذكر أنَّ النِّكاح لا يصح إلاَّ بولي -: "فإن حَكَمَ بصحَّة هذا العقدِ حاكِمٌ، أو كان المُتَوَلِّي لعقْده حاكمًا - لم يَجُزْ نَقْضُه، وكذا سائِرُ الأنكِحة الفاسدةِ".
وقال الإمام النَّووي - الشَّافعي - في "المهذَّب": "فَإِنْ عُقِدَ النِّكاحُ بغير ولي وحَكَمَ به الحاكمُ، ففيه وجهان، أحدُهما: أنَّه ينقض حكمه؛ لأنَّه مُخالف لنصِّ الخبر، الثاني: أنه لا يُنقض، وهو الصحيح؛ لأنَّه مختلف فيه".
وقال خليل بن إسحاق - المالكي - في مختصره: "ونَقْلُ مِلْكٍ، وفَسْخُ عَقْدٍ، وتقرُّرُ نكاح بلا وليٍّ - حُكْمٌ؛ أي: فيرتفع به الخلافُ إن وقَعَ مِمَّنْ يراه".
قال في "منح الجليل" شارحًا لقول خليل: "ثمَّ بيَّن ما يعدُّ حكمًا رافعًا الخلاف، فقال: (ونَقْل) بفتْح النون وسكون القاف (مِلْكٍ) بكسْر فسكون؛ أي: قول القاضي: نقلتُ ملك الشيء المتنازع فيه من فلان إلى فلان المتنازعَين فيه، حكمٌ منْه رافع الخلاف، (وفَسْخ) بفتح فسكون (عَقْد) - بفتح فسكون - لنِكاح أو بيع أو إجارة أو غيرها، متنازع فيه؛ أي: قوله: فسختُ هذا العقد، حكمٌ كذلك، (وتَقَرُّر) بفتح الفوقيَّة والقاف وضمّ الراء مثقَّلاً؛ أي: تقرير (نكاح) امرأة زوجت نفسَها (بغير ولي)؛ أي قوله: قرَّرتُه (حكم) رافع للخلاف.
خبر "نقل" وما عطف عليه، وأراد المصنِّف بتقْريره ما يشمل سكوتَ الحنفي عنْه حين رفع له، وعدم حكمِه بإثبات ولا نفي". اهـ.
وعليه؛ فما دام الحال كما ذكرتَ: أنَّ المحكمة الشَّرعيَّة بأثيوبيا حكمتْ بصحَّة عقْد النكاح، فالابن ينسب لأبيه، ولكن على ولدك أن يذهب لوليِّ تلك المرأة، أو يتَّصل به إن تعذَّر السَّفر، ويجدِّد معه العقْد النكاح، لأن الأول عقد فاسد.
أمَّا زواج الرَّجُل بدون علم والديْه، فهو وإن كنَّا لا ننصح به، وهو ممَّا لا يليق، ولا ينبغي للابن أن يفعله، إلاَّ أنَّه إن تمَّ مستوفيًا للشُّروط يكون صحيحًا،
هذا والله أعلم