إن االحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
ومن البدع ما ظهر منها ومابطن
وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين
وعلى آل بيته وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين قال تعالى: (لقدْ جاءَكمْ مِنْ أنفسِكُمْ رسولٌ عزيزٌ عليهِ ما عَنِّتُمْ حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ، فانْ توَلَّواْ فقلْ حسبيَ اللهُ لا اله الا هوَ , عليهِ توكلتُ وهوَ ربُّ العرشِ العظيمِ ) التوبة 128 ـ 129
أما بعـــــد
مقدمة
تعيش الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، أجواء الاحتفال بمولد أفضل وأشرف الرسل والأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلوها مناسبة دينية ، ومتعة روحية وعقلية وتاريخية . مع أن أهل السير والمغازي اختلفوا في يوم مولده فمنهم من قال بأنه يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ومنهم من قال يوم السابع عشر وأخرون ومنهم مختصون يجزمون بأنه في اليوم (التاسع من شهر ربيع الأول) من عام 53 قبل الهجرة، الموافق 20 نيسان/ إبريل عام 571م ـ عام الفيل ـ ولد سيد الوجود؛ سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ويؤكد المتابعون أن شهر ربيع الأول قد ضم أحداثاً ومناسباتٍ نبوية متعددة، كالبعثة والهجرة ـ وغيرهما ـ والانتقال إلى الرفيق الأعلى. ولأنه الشهر الذي ولد فيه ـ صلى الله عليه وسلم .
يقول الحافظ في فتح الباري: (وَقَدْ أَبْدَى بَعْضهمْ لِلْبُدَاءَةِ بِالْهِجْرَةِ مُنَاسَبَة فَقَالَ : كَانَتْ الْقَضَايَا الَّتِي اُتُّفِقَتْ لَهُ وَيُمْكِن أَنْ يُؤَرَّخ بِهَا أَرْبَعَة : مَوْلِده وَمَبْعَثه وَهِجْرَته وَوَفَاته , فَرَجَحَ عِنْدهمْ جَعْلهَا مِنْ الْهِجْرَة لِأَنَّ الْمَوْلِد وَالْمَبْعَث لَا يَخْلُو وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ النِّزَاع فِي تَعْيِين السَّنَة , وَأَمَّا وَقْت الْوَفَاة فَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِمَا تُوُقِّعَ بِذِكْرِهِ مِنْ الْأَسَف عَلَيْهِ , فَانْحَصَرَ فِي الْهِجْرَة )وعليه فإن تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم اختلف فيه أما يوم مولده يوم الاثنين متفق عليه
فعن أبي قتادة أن رسول الله سٌئل عن صوم يوم الاثنين فقال " ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه " رواه مسلم .
وكذلك إنتقاله إلى الرفيق الأعلى بأبي هو وأمي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول متفق عليه فأي عاقل يفرح ويسر ويحتفل بهذا اليوم الذي انقطع فيه خبر السماء عن سيد البشر بسبب موته صلى الله عليه وسلم؟ .
قال تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) المائدة
وقال صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"متفق عليه.
وفي رواية مسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .
وقال صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة" صحيح رواه اهل السنن
أول من احتفل بمولد النبي المختار
لم يرد في كتب التاريخ والسير وأصحاب المغازي بأن أحد من الصحابة وهم خيرة الناس وأفضلهم على الإطلاق وأشد الناس حبا للنبي صلى الله عليه وسلم بأنهم احتفلوا بيوم مولده ولا التابعين ولا تابعى التابعين ولا السلف أجمعين ومن تبعهم بإحسان . بل كان أول من احتفل وابتدع هذه البدعة المنكره هم الدولة الباطنية العبيدية التي اطلقت على نفسها الدولة الفاطمية وهذه الدولة الرافضية هي التي اوجدت بدع الاحتفال بمولد النبي المختار صلى الله عليه وسلم وبالموالد للأولياء وكذلك الطرق الصوفية الشركية حتى تهدم السنة النبوية وتقام البدع الكفرية من توسل بالأنبياء والصالحين ومنكرات ليس لها آخر امتدت من زمنهم حتى صار في هذا الزمن من الدين وأعوذ بالله من هذا الضلال المبين .
ذكر المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" ما نصه: (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النيروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات
البدع في الإحتفالات والموالد
أما إذا نظرت لأهل البدع وأحوالهم من روافض وصوفية وافراخهم تجد من المنكرات والمعاصي ما يندى له الجبين ثم يقولون هذا من الدين
ووالله وتالله إنه لهو الأفك المبين . وإليك القليل من هذا البلاء الجليل والإثم الرجيم .
1ـ انتشر بدعة المولد تشبهاً بالنصارى الذين يحتفلون بمولد عيسى بن مريم عليه االسلام .
2ـ استحداث عيد في دين الإسلام لم يشرعه الله ولا رسوله والذبح فيه لغير الله.
3ـ ويحصل في الموالد الرقص وإدخال الطبول في المساجد والتمايل والترنح كأنهم في سكرة يعمهون.
4ـ التبذير في المأكل والمشرب وتبذير الأموال فيما لم يشرعه الله .
5ـ اختلاط الرجال بالنساء وفي بعض البلدان الرقص فيما بينهم بل والنوم سويا في الشوارع والطرقات.
6ـ وضع تماثيل من الحلوى على أشكال منها (العرائس والحصان ) وغيرها مما نهى الشرع عنها وقد بعث النبي ليحطم عبادة الأصنام في الواقع ويمحوها من القلوب ثم تجدهم بها يحيون في مولده ويحرصون كأنها دين .
7ـ حصول الكلمات الشركية وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بكلمات لا يرضاها
يقول البوصيري
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي *** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
ويقول المناوي
لولاه ماكان ملك الله منتظما **** دنيا وأخرى به كل قد افتتحت
ولا جنان ولا نار الجحيم ولا **** ولا سماء به إلا وقد رفعت
ولانجوم ولاشمس ولا قمر **** ولاسحاب ولا أرض قد انبسطت
ولاجبال ولا بر ولا شجر *** ولارياح جرت في سهلها وسرت
ولادواب ولا إنس ولاملك **** ولاوحوش سعت في وعرها ودبت
فالكل من نور الرحمن أوجده **** لولاه ماكانت الآفاق قد نظمت
قلـــت
أي دين هذا وأي محبة هذه وقد جعلتم النبي صلى الله عليه وسلم ندا لله عزوجل؟
قال تعالى: ((فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) البقرة : 22
قال تعالى: (( قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً)) الإسراء : 93
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان المشركون يقولون : " لبيك لا شريك لك ، فيقول لهم النبي صلى الله عليه وسلم :" ويلكم قدٍ قدٍ " فيقولون : إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك" . أخرجه مسلم
وعنه أيضا رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:" ما شاء الله وشئت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أجعلتني والله عدلا ، بل ما شاء الله وحده " اخرجه أحمد وابن ماجه .
وعنه أنه سمع عمر رضي الله عنهم يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسولة " رواه البخاري
خير الحب الإتباع
اتباع النبي صلى الله عليه وسلم أحد ركائز دين الإسلام وأساسياته، ومن مُسلمات الشريعة والأمور المعلومة منها بالضرورة، وقد استفاضت النصوص الشرعية الصحيحة في بيان ذلك والتأكيد عليه.
قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } الحشر: 7
وقوله عز وجل: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } النساء: 80
قال تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور63
إلا أن ذلك لم يمنع انحراف طوائف من المسلمين عن سلوك الجادة فيه ولزوم الطريق السوي، حيث اضطربت فيه أفهام وزلت أقدام.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو أن موسى بن عمران حي ما وسعه إلا اتباعي )
وقال صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقال : ( بلغوا عني ولو آية ) .
وغير ذلك كثير من النصوص التي تدل على أن الأصل بالإتباع هو النبي صلى الله عليه وسلم , فما وافق قوله وفعله وتقريره يُقبل ويتبع وما خالف قوله وتقريره وفعله يرفض ولا يُقبل , ولذلك أهل السنة تجدهم يستدلون على أقوالهم وفتواهم بقال الله قال رسول الله , وما نُقل عن الصحابة رضي الله عنهم , ويغلب أن يكون ما نُقل عن الصحابة رضي الله عنهم له أصل في السنة , وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)
وأختم موضوعي هذا بتلك الآبيات
وقول أعلام الهدى لا يُعْمَلُ *** بقولنا بدون نص يقبل
فيه دليل الأخذ بالحديث *** وذاك في القديم والحديث
قال أبو حنيفة الإمام *** لا ينبغي لمن له إسلام
أخذ بأقوالي حتى تُعرَضَا *** على الكتاب والحديث المرتضى
ومالك إمام دار الهجرة *** قال وقد أشار نحو الحجرة
كل كلام منه ذو قبول *** ومنه مردود سوى الرسول
والشافعي قال إن رأيتم *** قولي مخالفا لم رويتم
من الحديث فاضربوا الجدارا *** بقولي المخالف الأخبارا
وأحمد قال لهم لا تكتبوا *** ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة *** واعمل بها فإنها منفعة
لقمعها لكـ ذي تعصب *** والمنصوفون يكتفون بالنب
وفي النهاية
نسأل الله أن نكون متبعين غير مبتدعين