تحدثنا في مقالات سابقة عن مرحلة سن التمييز لدى الأطفال وبينا المقصود بها، وكذلك أهم خصائصها.. وفي هذا المقال نبدأ الحديث عن أهم العوائق والمشكلات التي تقابل المربين في هذه المرحلة من عمر أطفالهم.
مرحلتان متشابهتان
تحدثنا من قبل عن مرحلة ما دون سن التمييز لدى الأطفال، ومن الجدير بالذكر أن ما يجده المربي في مرحلة سن التمييز هو ـ تقريبًا ـ ما لاقاه في المرحلة السابقة وهي (ما دون سن التمييز).
هذه المشكلات والعوائق تحتاج من المربي صبرًا وجهدًا، ومع مواصلة الاهتمام والرعاية فإن هذه المشكلات تضمحل بإذن الله.
لكن في هذه المرحلة تظهر للمربين مشكلات أخرى لدى أطفالهم ربما لم تظهر في المرحلة السابقة، وذلك يرجع لأسباب، يأتي على رأسها ما بيناه في المقال السابق وهو زيادة الاحتكاك بالمجتمع الخارجي، وأخطرها على الإطلاق الصحبة السيئة، والتي ـ للأسف الشديد ـ قد يترتب عليها بعض الأمور غير المرغوبة، مثل: شرب الدخان، أو مطالعة بعض المجلات أو الأشرطة الخالية من الأدب.
دور المربي مع هذه المشكلة
وهنا يبرز دور المربي في احتضان طفله، فكلما كان المربي أقرب إلى الطفل وأعمق صلة به وقدرة على فهمه؛ كلما كان من السهل وقاية الطفل من الانزلاق في هذه المشكلات الكبيرة، فعلى المربي أن يستثمر العلاقة القوية مع طفله ليبث فيه بعض المعاني الهامة، ومنها:
أن الإنسان لا يصاحب إلا من تكون صحبته دالة على الخير.
وأن الإنسان القوي هو من يستطيع أن يبتعد عن الأشرار ولا يجعلهم يؤثرون عليه، مهما كان أعدادهم أو كانت أفعالهم.
وأن الصحبة السيئة للأسف تجلب في النهاية الخيبة والخسارة، ويذكر له بعض الأمثلة والقصص في ذلك.
ويعلمه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصحب إلا مؤمنًا).
تعرف على أصدقائه
من الجميل أن يتيح المربي لولده جوًا من الثقة المتبادلة والتقبل الذي يمكنه من معرفة أصدقائه الحقيقيين الذين يتأثر بهم ويؤثرون فيه، فتعرفه على أصدقائه عن قرب يجعله على بصيرة من الأمر.
ومن المهم أن يذهب الوالد إلى مدرسة ابنه ويسأل عنه مدرسية بعبارات من الثقة في ابنه، ولا يظهر أبدًا أنه يتشكك فيه، ويحرص على أن يرى ولده ذلك، حتى يعلم أنه يثق فيه كما أنه يتابعه ويهتم به ويرعاه.
احذر التجسس!
إن بعض المربين الذين يريدون أن يكونوا على علم بكل ما يفعله أبناؤهم ينتهجون نهجًا مخالفًا لهدي الإسلام، فتراهم يتجسسون على أبنائهم بحجة الرغبة في معرفة سلوكهم وتقويمهم وتعديلهم.
إن التجسس خلق ذميم وقد نهى الله تعالى عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما نهت عنه الشريعة فليس فيه فائدة راجحة، بل هو إما مفسدة خالصة أو مفسدة غالبة.
(فبدلًا من فتح حقيبته في غيبته، قل له عقب رجوعه مباشرة، بعيدًا عن إخوانه وأخواته، افتح حقيبتك وأرني ما فيها، هذا إذا كان هناك ما يدعو للريبة، بل لو سألته عما معه من القصص والمجلات التي استعارها من زملائه، فسوف يجيب بالحقيقة إذا كان قد عوِّد الصدق في المرحلة السابقة، بل قد يبادر بسؤالك إذا شعر بالحرص عليه مع الرحمة له عما معه من هذه القصص والمجلات، وهل هي مناسبة أم يقوم بإرجاعها لأصحابها
لكن إذا وجد المربي معه قصصًا غير مناسبة أو مجلات غير مقبولة، فماذا يفعل؟
الأولى في ذلك أن يعظه ويبين له ما في هذه الأشياء من مفاسد، وما يمكن أن تجلبه عليه من ضرر في دينه ودنياه، ولا ينبغي أن يبادر إلى سبه أو شتمه أو ضربه، خاصة إذا كانت هذه أول مرة يفعل فيها ذلك، وعلى المربي أن يأتي له بالبديل المناسب؛ لأن المنع وحده لا يكفي) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف، ص (87)].
كانت هذه إطلالة سريعة على أهم المشكلات والعوائق التي تواجه المربين في مرحلة سن التمييز التي يمر بها أطفالهم.. وفي مقالات قادمة نتحدث عن أهم الأساليب والوسائل التربوية في هذه المرحلة العمرية.
عمر السبع