للإمام أبي عبد الله ابن بطة العكبري الحنبلي المتوفى سنة ٣٨٧ هـ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ». متفق عليه
وقال عبد الله بن مسعود: « الأرواح جنود مجندة تلاقى، فتشام كما تشام الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ولو أن مؤمنا دخل مسجدا فيه مائة ليس فيهم إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه ، ولو أن منافقا دخل مسجدا فيه مائة ليس فيهم إلا منافق واحد ، لجاء حتى يجلس إليه ».
عن الأعمش ، قال : « كانوا لا يسألون عن الرجل، بعد ثلاث: ممشاه، ومدخله، وألفه من الناس ».
وكان الأوزاعي يقول : « من ستر عنا بدعته لم تخف علينا ألفته ».
وقال الفضيل بن عياض : « الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالي صاحب بدعة إلا من النفاق ».
قال ابن بطة : صدق الفضيل رحمة الله عليه، فإنا نرى ذلك عياناً.
وقيل للأوزاعي : إن رجلا يقول: أنا أجالس أهل السنة، وأجالس أهل البدع، فقال الأوزاعي : « هذا رجل يريد أن يساوي بين الحق والباطل ».
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مثل المنافق في أمتي كمثل الشاة العايرة بين الغنمين تصير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، لا تدري أيها تتبع ».
قال ابن بطة : كثر هذا الضرب من الناس في زماننا هذا، لا كثرهم الله، وسلمنا وإياكم من شر المنافقين، وكيد الباغين، ولا جعلنا وإياكم من اللاعبين بالدين، ولا من الذين استهوتهم الشياطين، فارتدوا ناكصين ، وصاروا حائرين.
عن ميمون بن مهران، قال : لقي سلمان رجلا، فقال : « أتعرفني ؟ قال: لا، ولكن عرف روحي روحك ».
وكان محمد بن عبيد الله الغلابي ، يقول : كان يقال : « يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة ».
قال الأوزاعي : « يُعرف الرجل في ثلاثة مواطن : بألفته، ويعرف في مجلسه، ويعرف في منطقه ».
قال أبو حاتم : وقدم موسى بن عقبة الصوري بغداد، فذُكر لأحمد بن حنبل، فقال: « انظروا على من نزل ، وإلى من يأوي ».
وعن يحيى بن سعيد القطان، قال: لما قدم سفيان الثوري البصرة: جعل ينظر إلى أمر الربيع - يعني ابن صبيح - وقدره عند الناس، سأل: أي شيء مذهبه؟ قالوا: ما مذهبه إلا السنة قال: من بطانته؟ قالوا: أهل القدر قال: هو قدري.
قال ابن بطة : رحمة الله على سفيان الثوري ، لقد نطق بالحكمة، فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم}
وعن ابن شوذب قال : « من نعمة الله على الشاب والأعجمي إذا نسكا أن يوفقا لصاحب سنة يحملهما عليها، لأن الأعجمي يأخذ فيه ما يسبق إليه ».
وكان عمرو بن قيس الملائي يقول : « إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، فإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه، فإن الشاب على أول نشئه » وقال : « إن الشاب لينشأ، فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم، وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب ».
قال ابن بطة : فرحم الله أئمتنا السابقين، وشيوخنا الغابرين، فلقد كانوا لنا ناصحين، وجمعنا وإياهم مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، ولا جعلنا من الأئمة المضلين، ولا ممن خلف محمدا صلى الله عليه وسلم في أمته بمخالفته، وجاهده لمحاربته، والطعن على سنته، وشتم صحابته، ودعا الناس بالغش لهم إلى الضلال، وسوء المقال.