يظهر عمق التحالف الاستراتيجي بين طهران وموسكو عند كل مناسبة أو فرصة. توافق البلدان على الكثير من الملفات المحورية جعلهما يلتقيان دائماً على طاولات الشراكة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية.
وقد أكدت طهران على تطوير علاقاتها مع دول القوقاز وآسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى طاجيكستان، التي استقبلت الاجتماع الدوري لمنظمة شنغهاي للتعاون. تنقّل روحاني بين طاجيكستان وكازاخستان، والتقى العديد من المسؤولين لينهي برنامجه الذي استمر لخمسة أيام بلقاءات بين وفده وبين المسؤولين الروس.
جلس الرئيس الإيراني ونظيره فلاديمير بوتين، فيما اجتمع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بنظيره الروسي سيرغي لافروف، فضلاً عن اجتماعات أخرى بين مسؤولين آخرين في العاصمة طهران، لتوقيع المزيد من اتفاقيات التعاون، كان آخرها التوافق على بناء ثمانية مفاعلات جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية على الأراضي الإيرانية.
هذه الاجتماعات التي تسبق جولة نووية جديدة ستعقد في نيويورك بين إيران والسداسية الدولية في 18 سبتمبر/أيلول الحالي، لها تأثير على طاولة الحوار التي سيحضرها العملاقان الأميركي والروسي معاً، وهو ما تؤمن به إيران من دون أن تخفي شراكتها الاستراتيجية مع الدب الروسي.
ومنذ تفاعل أزمة النووي الإيراني عام 2002، حاولت روسيا أن تلعب دور الوسيط بين إيران والآخرين، في محاولة لإيجاد حلول وسطية مناسبة للجميع، من دون فائدة حقيقية ونتيجة قطعية، ولكن لهذه المعادلة أبعاد أخرى.
تمتلك روسيا تكنولوجيا نووية تجعلها قادرة على تقديم مشاريع لبناء مفاعلات نووية في البلدان الأخرى، كتركيا والهند وإيران. تعدّ هذه المشاريع أهم مقومات الاقتصاد الروسي. وفي حال توصلت إيران إلى اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووي، فهذا يعني معدلا تجاريا ضخما لموسكو.
يضاف إلى ذلك، أن روسيا تمتلك القدرة على تزويد مفاعلات إيران بالوقود النووي اللازم، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى اتفاق واضح المعالم، وخصوصاً أن الضغوط والعقوبات الدولية لا تسمح لهذه الدولة العضو في مجلس الأمن، أن تماشي إيران كثيراً. كما أن القلق من حصول طهران على سلاح نووي مستقبلاً، وهو ما يتخوف منه الغرب عموماً، قد يعني تهديداً حقيقياً على روسيا نفسها، وخصوصاً أن الأخيرة صوّتت على قرارات العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن، في وقت سابق.
قد يفتح التوصل إلى اتفاق نووي الطريق أمام تطوير التعاون بين الطرفين بشكل أكبر مما هو عليه الوضع الآن، فإيران تعدّ الشريك الثالث عسكرياً لروسيا. توجد بين البلدين صفقات ضخمة لشراء الصواريخ والدبابات ولتقديم قطع الغيار والصيانة اللازمة لكل ما يمتلكه الجيش الإيراني من عتاد روسي الصنع. رغم ذلك تأخرت روسيا في تسليم شحنة صواريخ (اس 300) لإيران، ما يعني عدم التزام موسكو بالصفقة، وهو ما فتح سجالاً طويلاً بين البلدين.
وجود اتفاقيات تعاون اقتصادية ضخمة بين البلدين لا ينفي عن التحالف بينهما صفة الضرورة. يتحدث التاريخ عن قرون طويلة من العداء بين روسيا القيصرية وإيران ما قبل الجمهورية الإسلامية، ولكن الشراكة ضرورية جداً في وقت تقود فيه الولايات المتحدة الأميركية دفة القرارات السياسية في العلاقات الدولية.
طبيعة علاقة البلدين بالولايات المتحدة الأميركية يحكم علاقاتهما ايضاً، وخصوصاً أن روسيا تحاول استعادة دورها الكبير في معادلات التنافس الإقليمي والدولي. تطور العلاقات الإيرانية الروسية أكثر مما هي عليه اليوم أمر متوقع وسط ازدياد التوتر بين واشنطن وموسكو، وفرض المزيد من العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا، إضافة إلى ضغط الولايات المتحدة على إيران وفرض المزيد من العقوبات بحقها وعدم التوصل معها إلى اتفاق نهائي ورفض أي دور تستطيع لعبه في المنطقة. وهو ما شهده الجميع عند تشكيل الولايات المتحدة للتحالف الدولي الذي يهدف إلى القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية".
الموقف الإيراني الروسي متطابق إزاء ما يحصل في سورية مثلاً. دعم الرئيس السوري بشار الأسد منذ البداية، كشف عدم رغبة الطرفين بوجود شرق أوسط يسيطر عليه متشددون يختلفون إيديولوجياً مع إيران، وقد يؤرقون روسيا عبر الشيشان ومناطق القوقاز الشمالية، وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى، وخصوصاً أن موسكو تتعاون مع كل من دمشق وطهران، وتستخرج النفط من منطقة بحر قزوين.
لكن التنافس الإقليمي بين القوى الكبرى هو من يحدد شكل هذه العلاقات، فضلاً عن التقاطع الجغرافي والمصالح الاقتصادية المشتركة. البلدان يدركان تماماً أهمية هذه الجوانب، والتي ستصبح أكثر سلاسة مع التوصل لاتفاق نووي.
سعى بوتين في السابق إلى تشكيل جبهة تقف في وجه الولايات المتحدة وحلفاءها من الكبار، فحاول أن يضم لجبهته هذه إيران والصين، لإعادة خلق توازن في مواجهة القطب الأميركي الواحد في العالم.
تدرك طهران هذه المعادلة منذ التسعينيّات، ولكن الظروف لم تكن ملائمة مع بداية مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي. وكلما ازداد التوتر بينها وبين واشنطن أو بين واشنطن والآخرين في المنطقة، اندفعت طهران نحو موسكو.
وقد اتفقت إيران وروسيا في الوقوف ضد الخطوات الأميركية في أفغانستان والعراق، وتحالفتا معاً في مواجهة الموقف الأميركي إزاء سورية. كل هذا يعطي العلاقة طابعاً خاصاً، يقوم على أساس شراكة اقتصادية، وعلى تحدي الكبار بزعامة واشنطن، ما يتيح وصفها بـ"تحالف الضرورة".