بدّدت هتافات حشود غير مسبوقة من الجماهير الغاضبة على الاعتداء الاسرائيلي على غزة، الصمت المطبق حول تمثال الأميرال هارشيو نلسون في ساحة الطرف الأغر. حشود لم تأتِ لا لتحييه على انتصارات البحرية البريطانية الغابرة على الأمم الأوروبية، وإنما هاتفة ضد حكومة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لانحيازها إلى جانب العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة.
الحشود التي قدّرت بنحو 100 ألف متظاهر، تجمعت في الصباح في جادة سانت جيمس، قبالة مكتب "10 داوننغ ستريت"، هاتفة ضد كاميرون، بعدما جسّمته على شكل دمية هزيلة تتحكّم بها الأيادي الإسرائيلية، ومطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتحرير فلسطين.
وليس ببعيد عن الحشود الغاضبة، تجمع المئات من عناصر الشرطة، وحلقت مروحيات عمودية فوقهم. الحدث، غير المسبوق منذ فترة التظاهرات المليونية ضد الحرب على العراق، وإن لم يصل إلى الحشد نفسه، شكّل مفاجأة لقوى الأمن، وزادت من التوتر هتافات المتظاهرين المنددة بإسرائيل.
واجتاحت القوى الشبابية من مختلف التيارات والأعراق والأديان، ساحات الشوارع محركة التظاهرة في مسيرات طويلة نحو مقر هيئة الإذاعة البريطانية، "بي بي سي"، في ريجينت ستريت.
واختفت ساحة الطرف الأغر والشوارع الداخلة والخارجة منها، من كثافة الجماهير التي حضرت بالآلاف. أحد المتظاهرين الشبان الإنجليز استوقفه "العربي الجديد" لسؤاله عن وجوده هناك، حيث أكد أن القوى الشبابية في بريطانيا لم تعد تصدق الدعاية الصهيونية وان هناك جريمة ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين يجب وقفها.
واتجهت الجموع الغفيرة إلى شارع كنسنغتون هاي ستريت، للتجمع أمام سفارة الاحتلال الإسرائيلي، حيث كان يحيط بها المئات من عناصر الشرطة البريطانية وقوات الأمن، ترافقهم العشرات من السيارات المصفحة، محلّقة فوق رؤوسهم طائرات الهليكوبتر للمراقبة.
ويقول عضو البرلمان البريطاني، عن حزب العمال، جيرمي كوربن، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "انضممتُ اليوم إلى هذه الجماهير الحاشدة، بمعيّة برلمانيين آخرين يمثلون مناطق مختلفة من بريطانيا، للتعبير عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم".
وفي رد على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول ما إذا كان باستطاعته هو وأعضاء البرلمان الذين شاركوا في التظاهرة، إيصال أصواتهم إلى الحكومة لتغيير موقفها من الحرب على غزة، قال كوربن إن "على الحكومة البريطانية الاستماع إلى العشرات من البرلمانيين وإلى مئات الآلاف من الجماهير الغاضبة".
وأضاف: "يؤسفني أن الحكومة البريطانية تعتقد أن إسرائيل دولة ديمقراطية في الشرق الأوسط، وهي دائماً مهددة من قبل الفلسطينيين، وتصدق أن حرب إسرئيل على غزة هي للدفاع عن نفسها ولوضع حد للصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية ضدها. لكن الآن لا أحد يصدق هذا الكلام".
وترى الناشطة في الرابطة الإسلامية البريطانية، رغد أسامة التكريتي، أن عدم حيادية الحكومات الغربية تجاه العدوان على غزة، دفع بهذه الجماهير، التي جاءت حتى من مناطق خارج لندن، للمشاركة في هذه التظاهرة.
وقالت التكريتي، لـ"العربي الجديد": "إن عدم حياديتهم تبعث الاشمئزاز، لذلك قررت هذه الجماهير التجمع للتعبير عن غضبها ولإسماع صوتها".
وانتقدت التكريتي تغطية وكالة "بي بي سي" للأحداث في غزة، واصفة إياها بـ"المنحازة الى الإسرائيليين". وأضافت أن "الشعب البريطاني غاضب من هذه الوكالة المنحازة الى الإسرائيليين، لأن تمويلها يُستقطع من الضرائب المفروضة على الشعب البريطاني".
وأضافت: "إن الحكومات الغربية لم تعد قادرة على تغطية الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، خصوصاُ مع وجود مواقع التواصل الإجتماعي، مثل تويتر وفيسبوك، التي تفضح هذه الجرائم". وتتابع التكريتي: "بدأت أصوات الجماهير الغاضبة تحرج الحكومة البريطانية الساكتة عن العدوان الإسرائيلي. لقد استطعنا أن نلفت أنظار الشعوب الغربية الى القضية الفلسطينية، وأعتقد أننا نجحنا في ذلك".
بدوره، قال الناشط الفلسطيني في "المنتدى الفلسطيني في بريطانيا"، زاهر بيراوي، لـ"العربي الجديد": "لقد شارك اليوم في هذه التجمع أكثر من 100 ألف متظاهر، وذلك للاحتجاج على الجرائم الصهيونية ضد أهلنا في قطاع غزة".
وأوضح بيرواي أن "المتظاهرين جاؤوا لإيصال رسالتين: الأولى هي موجهة الى الشعب الفلسطيني، بأننا لن نتخلى عنهم، وأن أبناء العالم من كافة المكونات كلها تقف معهم في حقهم في التحرر وبناء دولتهم المستقلة. الرسالة الثانية هي موجهة الى الحكومة البريطانية، لنقول لها إن موقفها مخزٍ وإن الشعب البريطاني سيحاسبها عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة". وانتقد بيراوي كذلك الصمت الدولي تجاه الحرب على غزة، واصفاً إياه بـ"التصريح بقتل المدنيين الفلسطينيين".
ومن بين الجهات التي نظمت التظاهرة: الحملة البريطانية لدعم فلسطين، المنتدى الفلسطيني ـ البريطاني، الرابطة الإسلامية في بريطانيا، المبادرة الاسلامية البريطانية، تجمع أوقفوا الحرب، مؤسسة أصدقاء الأقصى.
التظاهرات ـ الحدث، لم تكن من فراغ، فطوال الأسبوعين الماضيين كانت أحداث غزة مثار تساؤل الجيل الجديد من الشباب، وهو بحد ذاته تحوّل كبير، لا تعرف حكومة كاميرون كيف يمكن التعامل معه. فقضية الشرق الأوسط لم تعد مكاناً لحديث خبراء السياسة في لندن فقط، بل حديث الشارع والاذاعات المحلية، والكثيرون صاروا يتساءلون عن ماذا يحدث ولماذا يقتل الإسرائيليون العرب هناك، ولماذا فلسطين محتلة.
ولا يبدو أن التظاهرات في بريطانيا ستتوقف قريباً، وخصوصاً أن منظمات التضامن مع فلسطين، سواء تلك المحلية الإنجليزية، مثل شبكة الاشتراكيين، والتضامن، أو تلك المنظمات المرتبطة بالجاليات العربية والآسيوية والإسلامية وحتى الأوروبية أو من أميركا اللاتينية، جميعها تنشط بقوة هذه الأيام داخل لندن، وهو ما بدا واضحاً في تظاهرة اليوم، حيث لم تكن أعداد الحاضرين غفيرة فقط، بل كان ملحوظاً التنوّع الكبير للمشاركين من بلدان آسيوية وأفريقية، ومن البرازيل، وأوروبيين وعرب، وحتى من اليهود المعادين للصهيونية