[Sherif Youssef]

	الناظر إلى إرادة الشباب وعزيمتهم يلاحظ أنه يمكنهم قهر كل التحديات التي يمكن أن تواجههم، ولا أدل على ذلك من تلك المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى رأسها الإعاقة البصرية. ويتعاظم هذا التحدي حينما يكون صاحبه طالباً في الجامعة، وفق الحالة التي يجسدها محمد الشافعي، الطالب في السنة الثانية بقسم الفلسفة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، استطاع التغلب على إعاقة البصر التي يعانيها، وتمكنه من تحقيق التفوق في دراسته، على الرغم من صعوبتها، ما يجعله يستحق بامتياز أن يكون قاهراً لإعاقة على هذا النحو. وعلى الرغم من دراسة الشافعي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إلا أنه حاصل على منحة المدرسة المصرية العامة التابعة لأحد البنوك الأجنبية، والتي تعطي الأولوية للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة في الكتابة والموسيقى والفلسفة. ويتمنى الشافعي أن يفعل شيئاً ما خلال عمره وأن يجد له مكاناً يقول: "فحتى الآن أرى أن بلادنا تحتاج إلى نوع من التوجيه، فنحن في هذا العصر الحديث بحاجة إلى نوعية من البشر لديها من الحس العالي والذكاء ما يمكنها من تبين الطريق الصحيح، فمصر تمر بعصر متأخر من عصور التنوير، فلا توجد الكثير من الحقائق المؤكدة التي يمكن التعويل عليها" لذلك، فإن الشافعي يبدي شعوره بالتفاؤل، بل وتحقيق العديد من النجاحات، بأن توافرت له مساحة من التفكير، ويستطيع من خلال مشواره تقديم شيء للبشرية، معتمداً في ذلك على خبراته، وما حققه من نجاحات، يرى أن أمامه الكثير لتحقيق المزيد منها. نظرة الشافعي للحياة وللعالم المحيط به تعكس حكمة بالغة تفوق سنين عمره التي لم تتعد العشرين، إذ إنه ومنذ الصغر يحقق نجاحاً تلو الآخر، إلى أن تخرج في مدرسة طه حسين للمكفوفين عام ،2012 حيث تولدت لديه رغبة ملحة في الالتحاق بالجامعة الأمريكية، من دون أي خلفية مسبقة عما يريد فعله، إلى أن تشكلت لديه فكرة الالتحاق بقسم الفلسفة، حباً منه لهذا العلم، والتعرف إلى بعض جوانبه . واللافت هنا أن الشافعي أراد أن يعمق إبداعه في كتابة قصته الأولى، بل وتأليف نص مسرحي، علاوة على إعداد بحث أكاديمي، مع كتابة مجموعة من المقالات وقصائد من الشعر العمودي. ولم تكن مؤلفات الشافعي المتنوعة من فراغ، إذ إنها كانت نتاجاً لنهمه في القراءة، التي يجد فيها الكثير من الأفكار والإلهام في قراءة كتابات "تشيكوف، بلزاك، ديكنز، ديستوفسكي"، "فأياً كان الكاتب، فإنني أقرأ له، فضلاً عن قراءاتي في كتابات الفلاسفة الإغريق، وكتاب الرواية الأمريكيين" ويواصل سرده لقراءته بقوله: "أقرأ لألكس دي توكوفيل الذي كتب دراسة بعنوان "الديمقراطية في أمريكا"، وأعتبر طريقتي في القراءة من التوجهات المنهجية، إذ إنني أقرأ الكثير من الأعمال في وقت واحد، فذات مرة قرأت نصاً مسرحياً، وفي ذات الوقت كنت أقرأ قصة من قصص الخيال العلمي، وأخرى من عالمنا المعاصر، وعملاً فلسفياً حديثاً، علاوة على عمل فلسفي قديم" . لذلك يعتبر الشافعي قراءة عدة أعمال مختلفة في وقت واحد لا تعد من الأمور الصعبة أو تلك التي تسبب نوعاً من التشتيت، "بل هو من الأشكال التي تكمل بعضها بعضاً، وجدت مثلا نيتشه في فلوبير، ووجدت غيره فيما أحرص على قراءته من كتب أدبية وفكرية" ويصف هذا التنوع في اهتماماته، بقوله "منحتني صفة التنوع التي تتمتع بها الجامعة الكثير، كما هيأت لي فرصة الالتقاء مع نوعيات مختلفة من البشر، مما كان له أكبر الأثر في إمدادي بكثير من الأفكار التي يمكن الكتابة عنها . فالدراسة بالجامعة من التجارب الفريدة التي لا يمكن وصفها بالكلمات، فهي كمؤسسة تعليمية تقدم الكثير مما تعجز عنه المؤسسات التعليمية الأخرى" ويرى الشافعي أن توجه الجامعة للتعليم مختلف، "فهي تقدم التعليم من أجل التعليم وتشجع التطور الفكري وتدعمه، ولذلك أرى أن الثقل الفكري والعقلي الذي يميز البرامج التي تقدمها الجامعة يعد من أكثر الأمور التي أثارت دهشتي وإعجابي، وهو ما كنت حريصاً على ترجمته في دراستي ولا تزال في الجامعة" إبداعات الشافعي لم تقف عند القراءة أو التأليف، لكنها تتعداه إلى ممارسة الهواية، فهو من عازفي البيانو المهرة، وحصل على شهادة دبلوم دولية في عزفه، بعدما جرى تقييمه في هذه الموهبة من إحدى الجهات العالمية المتخصصة، كما يسعى حاليا إلى الحصول على دبلوم مماثل من المملكة المتحدة . ويرجع الشافعي هذه الموهبة إلى طفولته يقول: "ساهمت بصور عديدة في تشكيلي، حيث أحببت الموسيقى، خاصة الكلاسيكية، واكتسبت الكثير من الخبرات ونجحت في تشكيل رؤية خاصة، كنت أختلط صباحاً أثناء وجودي في المدرسة بأنواع مختلفة من الناس قدموا من بيئات مختلفة، وفي المساء كنت أجلس مع سيدات بريطانيات أحتسي الشاي وأستمع لفاجنر" ويواصل سرده لهذه الذكريات، قائلاً: للوهلة الأولى أحسست أنني أريد أن أصبح عازفاً للبيانو، وذلك قبل أن تسلب الفلسفة لبي، "فالبيانو ما زال صديقي الذي أعشقه، فمنذ أربع سنوات مضت لم أكن أتخيل ولو للحظة أنني يمكن أن أصبح فيلسوفاً، لكن الحياة مملوءة دائماً بالمفاجآت" وعلاوة على هوايته الموسيقية، فإن محمد الشافعي صاحب هوايات تقنية، فلم تمنعه إعاقته البصرية من أن يكون له دور في تكنولوجيا اليوم، ما كان نتيجته الحصول على شهادة مدرب معتمد في مجال تكنولوجيا الاتصالات من إحدى الشركات الدولية المتخصصة، وهو دون سن الحادية عشرة من عمره، يوضح: "فأصبحت أصغر الحاصلين على هذه الشهادة سناً في منطقة الشرق الأوسط بأكمله" هذه الشهادة، والموهبة التي يتمتع بها الشافعي دفعته إلى المشاركة في العديد من المؤتمرات الخاصة بالتكنولوجيا، "إذ قمت بترجمة التشريع الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والمتعلق بحقوق الأطفال في مصر وقام بطباعته" . وفي العام 2009 حصل الشافعي على كثير من جوائز التكريم وذلك لأعماله وإنجازاته القيمة، "وتمت دعوتي للسفر إلى المغرب آنذاك للحصول على هذه الجائزة، التي تعكس نهمي للتكنولوجيا والحصول على المعلومات، بل وشغفي بالقراءة، والوصول منها إلى فهم عميق لأغوار النفس البشرية" ولذلك، فإن محمد الشافعي يبدي دائماً حماسه لفعل شيء في حياته، يمكن أن يعد بصمة واضحة في هذا العالم، وهو على علم بصعوبة تحقيق هذا الهدف، ويستذكر أنه قام بتحميل قائمة طويلة من الكتب المهمة في التاريخ يصل عددها إلى أكثر من 5 آلاف كتاب. ويقول: "وكنت حريصاً بالفعل أن يرد اسمي في قائمة مئة عام التي يمكن أن يستغرقها هذه الكتب لقراءاتها، فورود اسمي، ربما يقابل بابتسامة حائرة، غير أن المرء عندما يغوص في أعماق الحياة ويدرك مدى قصرها، فإن ذلك يدعونا إلى القيام بشيء خارق، وأحرص دائماً أن يرد ذكرى دائماً مقترناً بأني فعلت شيئاً مفيداً.

[عابرة سبيل]