ثالثاً: عَنعَبْد الْلَّه بْن عُمَر رَضِي الْلَّه عَنْهُمَا قَال :( قَام رَجُل فَقَال: يَارَسُوْل الْلَّه مَاذَا تَأْمُرُنَا أَن نَلْبَس مِن الثِّيَاب فِي الْإِحْرَام ؟ فَقَال الْنَّبِي : لَا تَلْبَسُوْا الْقَمِيْص وَلَا الَسَراوَيلَاتوَلَا الْعَمَائِم وَلَا الْبَرَانِس , إِلَا أَن يَكُوْن أَحَد لَيْسَت لَهنَعْلَان فَلْيَلْبَس الْخُفَّيْن وَلْيَقْطَع أَسْفَل مِن الْكَعْبَيْن . وَلَاتَّلْبِسُوَا شَيْئا مَسَّه زَعْفَرَان وَلَا الْوَرْس . وَلَا تَنْتَقِبالْمَرْأَة الْمُحْرِمَة. وَلَا تَلْبَس الْقُفَّازَيْن) رواه البخاري.
وهذا الحديث فيه نهي صريح عن لبس المخيط للرجل والنقاب والقفازين للمرأة ، ولولا أنهما أصل في اللباس ما نهى الشارع سبحانه وتعالى لبسهما عند الإحرام. ولذلك لم يختلف الفقهاء وأهل العلم على وجود النقاب وأنه أصل في لباس المرأة المسلمة، ولكن خلافهم على حكمه الشرعي ، هل هو واجب أم سنة ؟ هذا ليعلم الجهلاء ممن حسب أنفسهم علماء ، إنما هم علماء السوء ، وابُتلينا بهم في هذا الزمان.
رابعاً: قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا خطب أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم " رواه أحمد. قال صاحب مجمع الزوائد : رجاله رجال الصحيح .
وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نفى الجناح وهو الإثم عن الخاطب خاصة بشرط أن يكون نظره للخطبة ، فدل هذا على أن غير الخاطب آثم بالنظر إلى الأجنبية بكل حال ، وكذلك الخاطب إذا نظر لغير الخطبة مثل أن يكون غرضه بالنظر التلذذ والتمتع ونحو ذلك .
فإن قيل: ليس في الحديث بيان ماينظر إليه ، فقد يكون المراد بذلك نظر الصدر والنحر ؟ فالجواب: أن كل أحد يعلم أن مقصود الخاطب المريد للجمال إنما هو جمال الوجه ، وما سواه تبع لا يُقصد غالباً فالخاطب إنما ينظر إلى الوجه لأنه المقصود بالذات لمريد الجمال بلا ريب .
خامساً: عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لا يَزِدْنَ عَلَيْه " رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ففي هذا الحديث دليل على وجوب ستر قدم المرأة وأنه أمرٌ معلوم عند نساء الصحابة رضي الله عنهم ، والقدم أقل فتنة من الوجه والكفين بلا ريب. فالتنبيه بالأدنى تنبيه على ما فوقه وما هو أولى منه بالحكم وحكمة الشرع تأبى أن يجب ستر ما هو أقل فتنة ويرخص في كشف ما هو أعظم منه فتنة ، فإن هذا من التناقض المستحيل على حكمة الله وشرعه.
قال شيخي ابن عثيمين : الاعتبار الصحيح والقياس المطرد الذي جاءت به هذه الشريعة الكاملة وهو إقرار المصالح ووسائلها والحث عليها ، وإنكار المفاسد ووسائلها والزجر عنها . وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة ، وإن قدر أن فيه مصلحة فهي يسيرة منغمرة في جانب المفاسد . فمن مفاسده :
1ـ الفتنة فإن المرأة تفتن نفسها بفعل ما يجمل وجهها ويُبهيه ويظهره بالمظهر الفاتن . وهذا من أكبر دواعي الشر والفساد .
2ـ زوال الحياء عن المرأة الذي هو من الإيمان ومن مقتضيات فطرتها . فقد كانت المرأة مضرب المثل في الحياء فيقال (أشد حياءً من العذراء في خدرها ) وزوال الحياء عن المرأة نقص في إيمانها وخروج عن الفطرة التي خلقت عليها
3ـ افتتان الرجال بها لاسيما إذا كانت جميلة وحصل منها تملق وضحك ومداعبة كما يحصل من كثير من السافرات ، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .
4ـ اختلاط النساء بالرجال فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياءٌ ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عريض ، فعَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ. فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ " أخرج الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وفي النهاية نسأل الله تعالى أن يحفظ
نساء المسلمين ويرد كيد الكائدين
ولا تنسونا من صالح دعائكم