الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن خلق الإنسان وعدله، وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمَّله، وعلَّمه البيان والحكمة فقدمه به وفضله، وأفاض عليه خزائن العلوم فأكمله، وذم التقليد الأعمى وفتح باب الإجتهاد وحسنه. وأصليوأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه ومن تبعهم إلى يوم الدينصلاة لا يكف عنها لساني وقلبي وجميع جوارحي.
أما بعـــد
يُشكل التقليد بمختلف صوره واشكاله أهم العقبات التي تعترض العقل لفهم النص والواقع الذي يحيط بالمسائل الفقهية والفتاوى الضرورية ، فهو بمثابةإلغاء للعقل وقضاء على شخصية طالب العلم وكبت لقدراته وامتهان لكرامتهوضياع لعلمه وغلق عقله لما يدور حوله بما يسمى ( بفقه الواقع وأحكام النوازل)، مما يجعله عائق يعوق إنزال الأحكام على أهلها وفي مكانهاوزمانها الإنزال الصحيح ومعرفة كل حكم ودليله ومناطه وكل ما يدور بسببهوحوله. كما أن هذا التقليد سبباً في غلق باب الإجتهادوعدم تحرير طالب العلم في البحث والتمحيص في كل مسألة من أقوال أهل العلم قديماً وحديثاً وهل الباب مفتوح من أجل زيادة في الحكم أو إظهار ما يمكن إظهاره من فوائد للعامة والخاصة؟
سبب كتابة الموضوع
أولا:
وجود حملة في الموقع لمقاطعة هذا الرجل الذي يتعفف لساني عن ذكر اسمه صاحب الشركات المعروفه ومنها شركة الجوال
والتي تكونت من مال المسلمين ليحاربالمسلمين في عقر دارهم . وبسبب هذا الإعلان أُرسلت لي رسالة على الموقع هذا نصها
نص الرسالة:
بسم الله والحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله محمد وبعد فضيله الشيخ اين الدليل الشرعى على المقاطعه وهل قاطع النبى الكفار فى مكة اوالمدينة او الصحابة من بعده دليلك مذهبك ولو كنت تتلمذت على يدى ابن العثيمين حقا ماقلت هذا وارجع لفتاويه فى هذا الشان وفتاوى من علماءالسنه الالبانى وابن باز وانظر حبيبى فى الله الى فقه المفاسد والمصالح واترك الحماس جانبا وتكلم بالدليل من قال الله وقال رسوله وجزاك الله خيرا. أنتهت الرسالة
ثانيا:
لقد سمعت من بعض أهل العلم الربانيين وطلبة العلم العاملين بأن ليس هناك دليل على مقاطعة منتجات الكافرين المعتدين على حرمة الدين الإسلامي وأهله ومنهم من ذكره صاحب الرسالة التي أرسلها أحد الأخوه على الموقع ، والشيخ الفاضل/ عبد المحسن العبيكان وكذلك الشيخ الفاضل/ مصطفي العدوي في احدى القنوات الفضائية، فعزمت النيه بالرد على هذه الشبهه الجليه والفريه البليه من الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة.
الرد والموضوع:
هناك سؤال يفرضه الموضوع علينا ألا وهو هل المقاطعة تشمل جميع الكفار أمالذي تطاول علينا وسب ديننا واستهزأ بشرعنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم فقط ؟ وهل يدخل في هذا الكفار وغير الكفار؟ وللجواب على هذا السؤال هناك تأصيل واجب علينا أن نأصله قبل الخوض في صميم الموضوع بالدليل الدامغ والحجة البالغة
أقسام الكفار:
وينقسم الكفار إلى نوعين
النوع الأول: الكفار الأصليون وهم الذين لم يدخلوا في دين الإسلام وهما نوعان
( أ ) أهل الكتاب: وهم الذين أُنزل إليهم كتب سماوية مثل اليهود والنصارى
( ب ) ملحدون : وهم الذين ليس لهم كتب سماوية مثل
الوثنيون،والمجوس،والبوذيون والشيوعيون وغيرهم
النوع الثاني: الكفار الغير أصليون وهم الذين كانوا مسلمين ثم خرجوا عن
ملة الإسلام وهم مرتدون وليس كفار أصليون .
أنواع الكفار الأصليون:
النوع الأول: الذميون ( أهل الذمة ) وهم المستوطنون في بلاد الإسلام من
غير المسلمين وأمّنوا على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وأصبحوا في ذمةالمسلمين بشرط دفع الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
النوع الثاني: المستأمنون: وهو الكافر الحربي الذي دخل بلاد الإسلام بأمانمن المسلمين
النوع الثالث:المعاهدون ( أهل العهد ) وهؤلاء هم الذين صالحهم الإمام أونائبه على ترك القتال مدة معينه بعوض أو بغير عوض حسب ما تقضي مصلحةالمسلمين.
النوع الرابع: المحاربون ( أهل الحرب ) وهؤلاء هم الكفار الذين أعلنواالكفر والحرب على المسلمين من غير أهل الذمة والعهد والأمان. ويجوز قتلهم بالضوابط الشرعية المعروفة في أحكام الجهاد وأنواعه. انتهى وسوف يأتي بأذن الله التفصيل في موضوع ( حقوق أهل الذمة من الكتاب والسنة ).
تفصيل التأصيل:
وبعد هذا التأصيل علينا أن نعلم جيداً بأن أي فرد أو دولة كانت تدخل تحت الأنواع الثلاثة فلها أحكامها وإن خرجت عن هذه الأحكام والضوابط والآداب وتتطاولت على أهل الإسلام وأظهرت العداوة بالفعل أو القول تدخل في حكم النوع الرابع ويعتبروا من المحاربين، مع التقيد من المسلمين بضوابط محاربةهؤلاء المعروفة في أحكام الجهاد
المقاطعة والجهاد:
إنَّ محاسبة من بغى علينا وخرج بالسب أو الإستهزاء بأي شعيرة من دينناوهو يعيش بيننا وتحت كنف الإسلام وفي بلاد المسلمين واجب على ولي الأمرالمسلم أن يحاسبه ويعزره بما يناسب جرمه، سواء كافراً أو مسلماً فإذا لم يفعله الإمام،وجب على المسلمين جهاد هذا المستهزء وتعزيره بما يناسب جرمه وبالطريقة التي تجعله يرجع ويكف عن تجرأه على الإسلام والمسلمين .والمقاطعة للكافرين ومنتجاتهم من هذه الوسائل ومن الجهاد والسلاح الفعال لقطع دابر الكافرين ، ومقاطعة الدنمارك من قبل ليس علينا ببعيد
دليل مقاطعة الكافرين المعتدين:
أولاً: المقاطعة تحقيقاً للولاء والبراء
تعريف الولاء شرعاً
معنى الولاء في الشرع : فهو تولي العبد ربه ونبيه باتباع الأوامر واجتناب النواهي وحب أولياء الله من المؤمنين. هذا كله من الولاء.
تعريف البراء شرعاً
والبراء في الشرع : هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإنذار والإعذار،يقال برى وتبرأ من الكفار إذا قطع الصلة بينه وبينهم فلا يواليهم ولايحبهم ولا يركن إليهم ولا يطلب النصرة منهم.
منزلة الولاء والبراء في الإسلام
الولاء والبراء قاعدة من قواعد الدين وأصل من أصول الإيمان والعقيدة، فلايصح إيمان شخص بدونهما، فيجب على المرء المسلم أن يوالي في الله ويحب فيالله ويعادي في الله، فيوالي أولياء الله ويحبهم، ويعادي أعداء الله ويتبرأ منهم ويبغضهم.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)المائدة: 51
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قدبينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون) آل عمران: 118
وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة)الممتحنة:1
وقال تعالى: ((لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فيقلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه )المجلدلة: 22
وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَابَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىتُ ؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍرَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) الممتحنه: 4
وبعد العرض من الآيات البينات في الولاء والبراء يتبين لنا بأن الولاءيقوم على المحبة والنصرة والاتباع، فمن أحب في الله وأبغض في الله ووالىفي الله وعادى في الله فهو ولي الله، وأن من والى الكافرين واتخذهمأصدقاء وإخوانا فهو مثلهم، وأن البراء من الأسس التي تقوم عليه العقيدةالإسلامية وهو البعد من الكفار ومعاداتهم وقطع الصلة بهم، فلا يصح إيمانالمرء حتى يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه ويتبرأ منهم ولو كان أقربقريب.فأين البراء من الكافرين ونحن نمد لهم يد العون ونبيع ونشتري منهمويتاجرون بأموالنا ثم يأخذوها لمساعدة أهل الكفر من بنى ملتهم ليحاربوننابها ؟ أين الولاء للمسلمين ونحن بأموالنا يزيدوا غنى على غناهم ويشنون
علينا الحرب ويسخرون من مقدستنا وعقيدتنا ويشترون وسائل الإعلام المقروءةوالمسموعة لتكون منابر لهم يبثوا فيها السم والعدواة والبغضاء لنا وعلى الإسلام ويروجون الأكاذيب والأباطيل والفتن والكفر البواح في بلاد الإسلام . وعلى مسمع ومرأى من الحكام وأولي الأمر ولايحركون لهم ساكن ولايأخذون ضدهم موقف خوفاً منهم ومن أذنابهم في الغرب الكافر أو الشرق الملحد؟
هذا. والله أعلم
وللحديث بقيه
إن شاء رب البريه
في هذه السلسة من الكتاب
والسنة المحمدية إنَّ كتب لنا
البقاء واللقاء