سؤال الفتوى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك برنامج اسمه المسامح كريم، يأتي بالمتخاصمين وخاصة الأزواج ويصالحهم عبر مقدم البرنامج وأمام المشاهدين، فما حكم ما يحدث في البرنامج وعرضه على الناس؟ وجزاكم الله خيراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
لقد تم الاطلاع على بعض حلقات هذا البرنامج وتلاحظ ما يلي:
معظم المتخاصمين (أزواج) وسبب المشكلة الغالب فيها (الخيانة الزوجية) من أي طرف من الطرفين للأخر ، وهذه المشاكل بالذات بين الأزواج لا يجوز عرضها على الناس ، لأنها تدخل تحت باب (الفضيحة وعدم الستر) وقد سترها الله عز وجل عن أعين الناس ، فيجب أن تحفظ بين الزوجين. ولا تخرج إلا للضرورة كعرضها على (مُحكم) من أهل الفضل والعلم والعدل ليحكم بينهما إذا عجز عن حلها ، أو إذا وصل الأمر إلى ( القضاء ) .
وعلى المسلم أن يستتر بستر الله جل وعلا ولا يجاهر ولا يعلم بفجوره أحد ومن فعل ذلك يلزمه التوبة والإنابة والندم على ما صنع والإقلاع عما يفعل
قال تعالى: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ} النساء: 148
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )أخرجه البخاري ومسلم
فالعبد يسهو ويهفو والله يمحو ويعفو، والعبد يذنب ويفجر والله يغفر ويستر، والله حليم حيي " سِتِّير " يحب الستر والصون على عباده، ويحب الحياء والتستر من العبد؛ لأنهما خصلتان تفضيان به إلى التخلُّق بأخلاق الله تعالى
عن صفوان بن محرز المازني أحد التابعين قال : بينا ابن عمر رضي الله عنه يطوف إذ عرض له رجل فقال : يا أباعبدالرحمن هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلمفي النجوى ؟فقال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربهعز و جلحتى يضععليهكنفه،فيقرره بذنوبهفيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي رب أعرف ، يقول : رب أعرف ، قال : فإني سترتها عليك في الدنيا ، و إني أغفرها لك اليوم ،فيعطىصحيفة حسناته . و أما الكفار و المنافقون : فينادى بهم على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على الله) رواه البخاري
وديننا دين الستر والتزكية والنصيحة لا دين الهتك وإفشاء الرذيلة , فأظهروا المحاسن والممادح واستروا المساوئ والقبائح , وأشهروا الخير والنصائح وغطوا الفضائح ومن علم من مسلم قصورا وفجورا فلا يظهر للناس زلته ولا يكشف ستره.
وعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة " رواه مسلم
إن هذا الفعل حتى لو كان يقصد به الصلح ، لا يكون بهذه الطريقة بل يجب أن يكون في السر ، وأما هذه الطريقة هي من طرق تتبع العورات ، ونشر الفاحشة والذنوب على الملا ، ومن تتبع عورات المسلمين والمسلمات وأظهرها وأشهرها بقصد تشويه سمعتهم والحط من قدرهم فقد ارتكب فعلاً محرماً لا يقدم عليه إلا خسيس الطبع ساقط المنزلة.
قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾النور:19
وعن أبي برزة وابن عمر أن رسول الله عليهالصلاة والسلام صعد المنبر فنادى بصوت رفيع، فقال:( يا معشر من قدأسلم بلسانه،ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم،ولا تتبعوا عوراتهم،فإنه منتتبععورةأخيه المسلم،تتبع الله عورته، ومنتتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله) رواه الترمذي
بل أن من أفضل القربات إلى رب الأرض والسموات إصلاح ذات البين بشرط أن يكون في السر وليس في العلن
قال تعالى :(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) النساء : 114
وقال تعالى:(إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) الحجرات : 10
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ:"اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ" رواه البخاري
إنَ مقدم البرنامج رجل لا يدين دين الحق فلماذا لا يأتي إلا بالمسلمين والمسلمات لينشر فضائحهم ، ولا يأتي بمن يدين بدينه من النصارى ، وهذا إنَ دل دل على خبث الطوية ، والقصد في التشهير بالمسلمين تحت غطاء الصلح المزعوم .
قال تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)البقرة: 120
غير إن ما يفعله يخالف أصل من أصول دينه الذي يدين به ، وفي ملته إن المذنب يذهب إلى الكنيسة ويجلس على كرسي الاعتراف وبينه وبين القسيس حجاب حتى لا يُفضح ولا يُعرف ، ثم يأخذ الغفران من هذا القسيس . فلماذا هذا الرجل يُشهر بذنوب المسلمين هل رؤوس الأشهاد ؟ إلا أن يكون له هدف في نفسه الله يعلمه.
وعليه لا يجوز الذهاب إلى هذا البرنامج أو مشاهدته، ويجب تحذير المسلمين منه ومن مقدمه.