فى أغسطس من عام 2001 عندما أعلن تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي لم يكن يضم بين مؤسسيه أي محجبة حيث كانت النظام العلماني الحاكم وقتها متحكما فى البلاد بعد عدة انقلابات عسكرية كان أحد دوافعها الحفاظ علي المباديء الكمالية.
اليوم وقبل الإنتخابات التركية تترشح المحجبات علي قوائم الحزب الحاكم, كما يرشح ولأول مرة حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك محجبة علي قوائمه فى الإنتخابات, كما يرشح حزب كردي علماني هي حزب الشعوب الديموقراطية محجبة أيضا.
إطلالة علي الحجاب فى تركيا:
تبلغ نسبة المحجبات فى تركيا وفق أحدث دراسة 67 % , وقد ساهم وصول حزب العدالة والتنمية الحاكم إلي السلطة فى تركيا إلي تزايد نسبة المحجبات فى المجتمع التركي بعد التيسيرات الكبيرة وإلغاء القوانين التي كانت تمنع المحجبات من التعليم وغيره.
وتبلغ نسبة المحجبات المساندات لحزب العدالة والتنمية الحاكم 86% من إجمالي السيدات المساندات له.
وبالعودة إلي تاريخ تأسيس الجمهورية التركية فإنه رغم أن الدستور الأول للجمهورية لم يكن يتضمن نصا علي منع الحجاب إلا أن المحجبات كن يمنعن من العمل فى المؤسسات العامة.
وظل هذا التقليد السياسي فى مؤسسات الدولة الرسمية بمنع أي سيدة من العمل فى الحكومة وهي تلبس حجابها رغم أنه ومع مرور الوقت كانت تزداد وبوتيرة عالية نسبة المحجبات فى المجتمع التركي.
المرحلة الفاصلة فى حظر الحجاب بصورة قانونية كانت بعد انقلاب 1980 العسكري الذي قامت به القوات المسلحة التركية بزعامة الجنرال كنان إيفرين حيث تم إصدار قانون "لوائح اللباس في المؤسسات العامة" الذي منع الحجاب في مؤسسات الدولة, وبسبب ذلك لم تتمكّن بعض النساء من ممارسة عملهن في المؤسسات العامة بحجابهن.
وكان انقلاب إيفرين انقلابا علي الهوية الإسلامية التي تصاعدت فى تركيا فى تلك الفترة حيث كان السلامة الوطني الإسلامي برئاسة نجم الدين أربكان قد بدأ فى إعادة تركيا إلي هويتها العربية والإسلامية الأمر الذي لم يكن يوافق هوي المؤسسات العلمانية وعلي رأسها الجيش التركي.
وبعد انقلاب 1997 اعتبر مجلس الأمن التركي الحجاب تهديدا لتركيا وكانت أول قرارات الإنقلاب العسكري علي حكومة حزب الرفاه الإسلامي هو إغلاق المدارس الدينية ومدارس الأئمة والخطباء.
وبعد الانقلاب الأخير تم طرد المحجبات من الجامعات وأماكن العمل. وقدر عدد الفتيات اللاتي أضطررن لمغادرة تركيا للدراسة بسبب منعهن من الدراسة فى البلاد لتمسكهن بالحجاب 41000 فتاة.
تقول مروة قاوقجي أول محجبة تفوز فى الإنتخابات بتركيا قبل أن يمنعها العلمانيون من دخول البرلمان - قالوا لي:"إذا أردت تغطي رأسك، أذهبي للدراسة بالمملكة العربية السعودية".
وروت تجربتها فى الجامعة عندما منعت من دخولها بسبب حجابها حيث تم إنشاء غرف الأقناع بجامعة إسطنبول من قبل"كمال علمدار أغلو"عندما كان عميدا لجامعة إسطنبول، وكذلك مساعدته "نور سرتر", حيث كانت الفتيات مجبرات على الدخول إلى تلك الغرف والكشف عن غطاء رأسها أمام كاميرا وأضافت أنها تحيي كل الفتيات اللاتي دخلن غرف الإقناع ثم خرجن دون رفع الحجاب.
تركيا الجديد ...هوية إسلامية :
بوصول حزب العدالة والتنمية إلي الحكم فى تركيا سعي بكل جهده إلي تحقيق نجاح اقتصادي يمكنه من العمل علي إزالة المعوقات أمام الأتراك لكي يعبروا عن هويتهم الإسلامية.. وبعد تحقيق نموذج اقتصادي هائل سعي إلي بعث الكرامة والهوية التركية الإسلامية وفي عام 2010 تم رفع الحظر عن الحجاب فى تركيا وورفِع الحظر عن الموظفات في المؤسسات العامة فى عام 2013 بشكل رسمي.
بعد رفع الحظر عن الحجاب بشكل رسمي قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان" بتعيين أول سيدة محامية محجبة كعضو دائم داخل المجلس الأعلى للقضاة.
وفي مارس من العام الحالي قضت المحكمة الإدارية العسكرية العليا بإجماع الأصوات بالحكم لصالح زوجة ضابط صف بالقوات المسلحة التركية في قضية كانت قد رفعتها ضد وزراة الدفاع التركية, بعد رفض طلبها للحصول على بطاقة دخول لمساكن الضباط, لأنها رفضت وضع صورة لها بدون الحجاب على البطاقة.
وفي أكتوبر من العام الماضي إرتدت أول رئيسة جامعة تركية الحجاب، لأول مرة في تاريخ البلاد، حيث قررت رئيسة جامعة دجلة في مدينة "ديار بكر" الواقعة شرق تركيا الدكتورة "عائشة جول جالي سراج" ارتداء الحجاب لتصبح بذلك أول رئيسة جامعة محجبة في تاريخ تركيا. هذا، وقالت أنها قامت بذلك بعد أن تم رفع الحظر الذي كان مفروضا على السيدات في الأماكن الحكومية.
انتخابات 2015 ..وربيع الحجاب:
رشح حزب العدالة والتنمية علي قوائمه فى الإنتخابات 99 سيدة منهم 42 محجبة وهو العدد الأضخم فى تاريخ تركيا منذ إعلان الجمهورية.
وقد أصر العدالة والتنمية أن يكون العدد الأكبر من المحجبات من اللآتي منعهن الإنقلاب العسكري من إكمال الدراسة واللاتي أضطررن لدخول غرف الإقناع والهجرة خارج تركيا للتعليم.
وقد لاقي قرار العدالة والتنمية ترحيبا كبيرا من المجتمع التركي والذي اعتبره انتصارا لقيمه الإسلامية ومن المصادفة أن قرار دخول المحجبات البرلمان وترشيح هذا العدد الكبير يتزامن مع وفاة كنعان إيفرين الذي ساهم انقلابه العسكري فى منع المحجبات من التعليم والعمل.
كما قام حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك بترشيح محجبة واحدة علي قوائمه ففي ظل سعي الحزب الحاكم لترسيخ الهوية الدينية لبلاده لم يجد حزب الشعب العلماني إلا أن ينحني للعاصفة وذر الرماد بترشيح محجبة علي قوائمه.
وفي بيان رسمي للحزب قال إن ترشيح محجبة علي قوائمه جاء بعد أن تقدمت 9 سيدات محجبات من أعضاء الحزب بطلب للترشح فى الإنتخابات علي قوائمه وذكر أن هذا لا يجب أن يشير إلي تحول فى أفكار الحزب.
ورغم ترشيح محجبة علي قوائم هذا الحزب العلماني الذي كان له مواقف شديدة ضد القيم الإسلامية إلا أن الحزب يضع أمامه الحفاظ علي قوته التصويتيه وعدم تفكيكها حيث يعد هذا الحزب الملجأ لغلاة العلمانيين الأتراك وزيادة نسبة المحجبات به قد تقلل من نسبته الآخذة فى التراجع بفعل تنامي القوة التصويتية لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
كما قام حزب الشعوب الديموقراطية العلماني التركي بترشيح محجبة علي قوائمه فى إطار سعيه نحو جذب الشريحة المتدينة فى صفوف الأكراد المؤيدة للحزب الحاكم إلا أن توجه النائبة العلماني لن يساهم كثيرا فى تقوية حظوظه.
كما أن رئيس الحزب صلاح الدين ديمرطاش قد صدرت عنه تصريحات مناهضة للهوية الدينية لتركيا حيث دعا لإلغاء وزارة الشئون الدينية,وقال انه إذا وصل للحكم فسوف يلغيها الأمر الذي استفز الرأي العام التركي وجعل الرئيس التركي ورئيس الحكومة داوود أوغلو يوجهون له انتقادات لاذعة.
فى النهاية يبدو أن عام 2015 سيكون ربيعا سياسيا للمحجبات فى تركيا حيث ستدخل محجبات كثيرات البرلمان وسيكون لهن حق التشريع وإلغاء القوانين التي أصدرتها الحكومات العلمانية والتي منعتهن من العمل والدراسة فى بلادهن.
صلاح حسنين