سؤال الفتوى عبر موقعي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سمعت على اليوتيوب برنامج للدكتور عمر عبد الكافي يقول بأن بر الوالدين من أسباب تراجع ملك الموت عن قبض روح الإنسان فهل هذا صحيح ؟ وجزاكم الله خيراً.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا الحديث الذي ذكره الشيخ عن تراجع ملك الموت عن قبض روح العبد ضعيف وله طريقان:
عن مَخْلَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْهُذَيْلِ الْبَصْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة بالمدينة ، فقام علينا فقال : لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا ، رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ ، فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ ، فَرَدَّهُ عَنْهُ " .
حدثنا أبو زيد جعفر بن زيد الشامي لفظا ، قال : اخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف ، قال : أنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، قال : أنا أبو الحسن علي بن لؤلؤ الوراق ، قال : أنا أبو حفص عمر بن أيوب السقطي ، قال : أنا أبو الوليد بشر بن الوليد القاضب ، قال : نا الفرج بن فضالة ، قال : حدثنا هلال ابو جبلة عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فقال : إني رأيت الليلة عجبا ، قالوا : وما هو يا رسول الله ؟ قال : رأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالده فرده عنه ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فخلصه من بينهم ورأيت رجلا من أمتي يسلط عليه عذاب القبر فجاءه وضوءه فاستنقذه منه ورأيت رجلا من أمتي احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا كلما ورد حوضا منع منه فجاءه صومه رمضان فسقاه وارواه ورأيت رجلا من أمتي والنبيون حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقه ظن انه منها رد فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذه بيده فأجلسه إلى جنبي ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة وعن شماله ظلمة من فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجه وعمرته واستنقذاه من الظلمة وادخلاه النور) الحديث
فيه هلال أبو جبلة ، وهو مجهول . وفيه الفرج بن فضالة قال ابن حبان : يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة ، لا يحل الاحتجاج به .
فأما الطريق الثاني ففيه علي بن زيد ، قال : احمد ويحيى ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : يهم ويخطئ فاستحق الترك ، وفيه مخلد بن عبد الواحد قال ابن حبان : منكر الحديث جدا ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات .
وقال الإمام الذهبي في تلخيصه للعلل المتناهية :
رواه فرج بن فضالة – ضعيف – هلال أبو جبلة عن سعيد بن المسيب عن عبدالرحمن بن سمرة . هلال هذا شيخ يكتب حديثه .
ورواه مخلد بن عبدالواحد أبو الهذيل – منكر الحديث – عن علي بن زيد – ضعيف – عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن .
وقد رواه سليمان بن عبد الرحمن ، عن مروان بن معاوية ، عن كتاب أبي عبدالر حمن ، عن ابن جدعان .
وذكره الهيثمي في المجمع وقال : رواه الطبراني بإسناد ين في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي ، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف
أما سليمان بن أحمد الواسطي ففيه كلام أشد مما ذكر الهيثمي .
قال عنه الذهبي : صاحب الوليد بن مسلم كذبه يحيى وضعفه النسائي ، وقال ابن أبي حاتم : كتب عنه أبي وأحمد ويحيى ثم تغير وأخ وقال البخاري في الأوسط : رماه عمرو بن علي بالوضع ، وقال صالح بن محمد : منكر الحديث ، وقال الحاكم أبو أحمد : خالد بن عبد الرحمن المخزومي الخراساني سكن مكة حديثه ليس بالقائمذ في الشرب والمعازف فترك.
وقد ذهب بعض العلماء منهم الحافظ أبو موسى المديني في كتاب " الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية " وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله إلى استحسان هذا الحديث دون النظر في سنده
إن هذا المتن منكر لأنه يخالف أصل معتقد أهل السنة والجماعة في الملائكة الكرام
فالملائكة خلق من خلق الله ، وعباد من عباده مكرمون عند الله وفي منازل عالية ومقامات سامية وهم في غاية الطاعة قولاً وفعلاً ، ومفطورون على العبادة والطاعة، ومجبولون عليها ، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة منها :
قوله تعالى : ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم: 6
وقوله تعالى : ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) النحل: 50 .
وقوله تعالى : ( لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الأنبياء: 27 .
إن العبد عند نفخ روحه وهو في بطن أمه كُتب أجله ، فهو ثابت لا يتأخر ولا يتقدم
قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف: 34.
وعن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وهو الصادق المصدوق) قال: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكـاً يؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله ورزقه، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح) رواه البخاري
ولكن هناك أحديث صحيحة في هذا الباب منها:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه البخاري ومسلم
وهذا الحديث يبين لنا أن العمر مرتبط بالعمل الصالح، فالذي يزداد عمره يكثر عمله، والذي يكثر عمله كأنما ازداد عمره.