نحمدك اللهم على ما أنعمت به علينا من بعثة هذا النبي الأمي الخاتم، الرؤوف الرحيم، قال تعالى: (لقد جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) التوبة: 128.
فاللهم إنا نشهد أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وقام في أمته أصدق قيام، فتركنا على طريق سويً، ومحجة بيضاء، وصراط مستقيم، فاجزه اللهم خير ما جزيت نبياً عن أمته. نحمدك على ما يسرت على يديه من الهدى بعد الضلال، والنور بعد الظلام، والرشد بعد الغواية، والعلم بعد الجهالة، والرفعة بعد الذلة، والتبصر بعد العماية.
فمن واجبات الدين المتحتمات تعزيز نبينا وتوقيره ومحبته وطاعة أمره، بل لا يكمل إيمان المرء حتى يكون هو " أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ". كما أوجب علينا أيضاً أحكاماً أخرى في عقوبة من سبَه أو أهانه أو استهزأ به، أوخالف أمره، أو ابتدع طريقة غير طريقته، حماية لجنابه الكريم، وتقديساَ لذاته الشريفة، وتنزيها لعرضه النقي، وصيانة لجاهه العلي وحياطة للشريعة التي جاء بها. ومن العجب أن تجد الأن حملة شرسة في صحف أهل الكفر والإلحاد برسوم وقحة يستهزئ بها من النبي الكريم بأبي هو وأمي، ولا نجد من يتمعر وجه حماية لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المقابل إذا ما تعرض كاتب بالتلميح لليهود عليهم لعنة ربنا المعبود تقوم الدنيا ولا تقعد ويحاكم من فعل هذا. بل أن المصيبة الكبرى الأن تجد في بعض بلاد الإسلام من الإعلاميين الرويبضة المنافقين من يتطاول ويشبه أحد رؤوس الكفر وبعض المجرمين بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إنها ردة عن الدين تحتاج إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والله لن يستطيع أحد أن ينال من سيد البشر أجمعين وإمام المرسلين ، فالذي خلقه هو الذي حفظه ورفع ذكره وأعلى شأنه فلا يذكر ذاكر اسم الله إلا كان مقرونا باسمه . ولقد شرح الله له صدره ، ورفع له ذكره ، ووضع عنه وزره ، وأعلى له قدره ، وزكاه في كل شئ
زَكّـاهُ فيفُـؤادهفقـال { مَا كَـذَبَا لْفُـؤَادُمَا رَأَى } النجم:11 وزَكّـاهُ في بَصَـره فقـال { مَا زَاغَ الْبَصَـرُوَمَا طَغَى } النجم:17 وزَكّـاهُ فيصِدْقِـه فقـال ( وَمَايَنطـِـقُ عَنِ الْهَـوَى)النجم: 3 وزَكّـاهُ فيمُعلمِـه فقـال(عَلَّـمَهُشَـدِيـدُ الْقُــوَى ) النجم وزَكّـاهُ فيصَـدْرِهِ فقـال ( أَلَـمْ نَشْـرَحْ لَكَصَـدْرَكَ)الشرح:1 وزَكّـاهُ فيذِكــرهفقـال ( وَرَفَـعْـنَا لَـكَ ذِكْــرَكَ)الشرح: 4 وزَكّـاهُ فيطُـهـره فقـال ( وَوَضَعـْـنَا عَـنكَ وِزْرَكَ)الشرح وزَكّـــاهُ كُلّـــه فقـال { وَإِنَّـكَ لَعَـلى خُلُـقٍ عَظِيمٍ)القلم: 4.
وأقسم الله به ولم يقسم بنبي غيره، فقال عز وجل:(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)الحجر:72
بل إن الله عز وجل قد أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم عليه السلام إلى عيسى عليه السلام، أنه إذا ظهر النبي صلى الله عليه وسلم في عهده وبعث أنه سيؤمن به ويتبعه، ولا تمنعه نبوته من أن يتابع نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبد الله فيهم أن يتابعوه عليه الصلاة والسلام، لا يتبعون نبيهم بل يتبعون محمداً عليه الصلاة والسلام إذا ظهر فيهم.
قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ )آل عمران:81 من هو هذا الرسول؟ هو محمد عليه الصلاة والسلام، قال: (قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ )آل عمران:81
بل جعل الله رسالته عامة لجميع البشر، فقد كان الأنبياء والرسل يبعثون إلى أقوامهم خاصة، كل نبي إلى قومه خاصة
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)سبأ:28
وقال تعالى:(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً )الأعراف:158
وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) الفرقان:1
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء:107
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ
فنصرته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل أحد كان ما كان في أي مكان وزمان، بل يجب علينا أن نفديه حيا وميتا بأمهاتنا وأبائنا وأنفسنا وأهلينا وأولادنا وأموالنا.
قال تعالى:(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة: 40
وقال تعالى: )فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(الأعراف: 157
وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمد :7
ونصرة النبي من نصرة الله تعالى.ومن يتخلف اليوم فقد خان الله ورسوله .
وقال تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)الأنفال :27
وقال تعالى :(وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) النساء :115
فمن خالف سبيله بعد أن عرفه الله إياه فهذا مصيره . فكيف بمن تخاذل عن نصرته والذب عن عرضه وجنابه ، ويذهب لمن استهزأ به ونشر رسوما مسيئة له في صحف أهل الكفر ليتضامن معهم ويعزي فيهم بعد أن انتقم الله منهم بسيف انتقامه، وياليت هؤلاء كان عندهم ولاء لله وللإسلام ولخير الأنام صلى الله عليه وسلم وشاركوا في مسيرة من أجل المسجد الأقصي المغتصب ، أو تضامنوا من أجل المسلمين الذي إذا ما نظرت إلى أي بقعة في الأرض إلا وجدت دمائهم تراق على أيد أهل الكفر والنفاق، بل وعلى أيدي المسلمين أنفسهم أذناب اليهود طلاب المناصب و الكراسي الزائلة والدنيا الفانية.
قال تعالى:(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِالْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)النساء: 138ـ 139
حكم الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم
وقد أجمع علماء الإسلام في جميع الأعصار والأمصار على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو كتابه أو شيء من الدين، وأجمعوا على أن من استهزأ بشيء من ذلك وهو مسلم فإنه يكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام يجب قتله
قال تعالى: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)التوبة: 65ـ66
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله: أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي صلى الله عليه وسلم القتل، وممن قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق، وهو مذهب الشافعي) انتهى
قلت: ولاشك أن السب يتنوع أنواعا كثيرة، ولا ريب أن الاستهزاء به عليه الصلاة والسلام وتنقصه وتمثيله بحيوان حقير من أقبح السب وأعظم التنقص، فيكون فاعل ذلك كافرا حلال الدم والمال.
وقال القاضي عياض رحمه الله: أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين وسابه، انتهى.
وقال محمد بن سحنون من أئمة المالكية: أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم والمتنقص له كافر، والوعيد جاء عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر، انتهى.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: بعدما نقل أقوال العلماء في شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم ومتنقصه ما نصه: وتحرير القول فيه: (أن الساب إن كان مسلما أنه يكفر ويقتل بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: من شتم الرسول صلى الله عليه وسلم أو انتقصه مسلما كان أو كافرا فعليه القتل، وأرى أن يقتل ولا يستتاب) انتهى
نسأل الله الجبار أن ينتقم من كل من يستهزئ برسولنا صلى الله عليه وسلم أو مقدساتنا ، ويشفي صدورنا فيه، وينزل عليه سيف عذابه وانتقامه في الدنيا والآخرة ، وأن يخذل من خذل هذا الدين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين