تعريف المرحلة:
يقصد بالطفولة في سن التمييز، المرحلة التي تمتد من السادسة أو السابعة، إلى قبيل البلوغ أي إلى الخامسة عشرة من عمره تقريبًا، وهي تشمل المرحلتين التعليميتين: الابتدائية والمتوسطة.
قال ابن القيم أثناء حديثة عن مراحل نمو الطفل: (ينشأ معه التمييز والعقل على التدريج شيئا فشيئًا إلى سن التمييز وليس له سن معين بل من الناس ما يميز لخمس كما قال محمود بن الربيع عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي من دلو في بئرهم وأنا ابن خمس سنين ولذلك جعلت الخمس سنين حدا لحدة سماع الصبي وبعضهم يميز لأقل منها ويذكر أمورًا جرت له وهو دون الخمس سنين وقد ذكرنا عن إياس بن معاوية أنه قال اذكر يوم ولدتني أمي فإني خرجت من ظلمة إلى ضوء ثم صرت إلى ظلمة فسئلت أمه عن ذلك فقالت صدق لما انفصل مني لم يكن عندي ما ألفه به فوضعت عليه قصعة وهذا من أعجب الإشياء وأندرها فإذا صار له سبع سنين دخل في سن التمييز وأمر بالصلاة ..
فإذا صار ابن عشر ازداد قوة وعقلا واحتمالا للعبادات فيضرب على ترك الصلاة كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ضرب تأديب وتمرين وعند بلوغ العشر يتجدد له حال أخرى يقوى فيها تمييزه ومعرفته؛ ولذلك ذهب كثير من الفقهاء إلى وجوب الإيمان عليه في هذا الحال وأنه يعاقب على تركه وهذا اختيار أبي الخطاب وغيره وهو قول قوي جدًا وإن رفع عنه قلم التكليف بالفروع فإنه قد أعطي آلة معرفة الصانع والإقرار بتوحيده وصدق رسله وتمكن من نظر مثله واستدلاله.
كما هو متمكن من فهم العلوم والصنائع ومصالح دنياه فلا عذر له في الكفر بالله ورسوله مع أن أدلة الإيمان بالله ورسوله أظهر من كل علم وصناعة يتعلمها.
وقد قال تعالى {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، أي ومن بلغه القرآن فكل من بلغه القرآن وتمكن من فهمه فهو منذر به، والأحاديث التي رويت في امتحان الأطفال والمعتوهين والهالك في الفترة إنما تدل على امتحان من لم يعقل الإسلام فهؤلاء يدلون بحجتهم أنهم لم تبلغهم الدعوة ولم يعقلوا الاسلام، ومن فهم دقائق الصناعات والعلوم لا يمكنه أن يدلي على الله بهذه الحجة وعدم ترتيب الأحكام عليهم في الدنيا قبل البلوغ لا يدل على عدم ترتيبها عليهم في الآخرة وهذا القول هو المحكي عن أبي حنيفة وأصحابه وهو في غاية القوة ثم بعد العشر إلى سن البلوغ يسمى مراهقا ومناهزا للاحتلام) [تحفة المودود في أحكام المولود، ابن قيم الجوزية، (291ـ297)].
وبعد التعرف على هذه المرحلة من عمر أطفالنا، مما يمكنا من تحديدها بدقة، ننتقل إلى التعرف على أهم خصائصها ومميزاتها.
أولًا: التمييز
والذي نقصده بالتمييز أن يكون للصبي نوع إدراك وعقل يميز به بين الأمور، فهو قادر على أن يميز بين ما يضره وما ينفعه، ويستطيع في هذه المرحلة أن يأكل وحده، وكذلك يتمكن من أن يتطهر وحده.
وهو في هذه المرحلة (يقدر التصرفات وما يترتب عليها، لكن تمييزه لا يبلغ حد تمييز البالغين الذين كملت آلتهم العقلية، فهو يفهم الخطاب ويرد الجواب، أي: إذا كُلِّم بشيء من مقاصد العقلاء فهمه وأحسن الجواب عنه) [عمدة القاري، (2/68)].
وهذا الصبي له أحكام كثيرة في الفقة مترتبة على كونه مميزًا، وقد تحدث الفقهاء في المذاهب كلها عن أحكام متعلقة به في أغلب الأبواب الفقهية: فتراهم يتحدثون عن حكم إسلام الصبي المميز، وعن حكم ردته، وعن حكم إمامته، وهل تنعقد به صلاة الجمعة، وحكم شهادته بدخول شهر رمضان، وحكم انعقاد يمينه، ووصيته، وتصرفه بالبيع والشراء، إلى غير ذلك من الأحكام الكثيرة، مما يدل على أهمية تلك المرحلة، وأنها تباين المرحلة التي سبقتها، وهذا مما يرتب على المربين أن تتوجه عنايتهم لضبط الصبيان من الناحية التكليفية؛ لأن أعمالهم تترتب عليها أحكام شرعية.
ثانيًا: مصادر التربية
ونقصد بها المصادر المتعددة التي من خلالها يتلقى الطفل تربيته وتوجيهه، فمع بلوغ الطفل هذه المرحلة من عمره يبدأ خروجه من البيت يزداد (ويبدأ دور المؤثرات الخارجية في الظهر والتأثير، فيظهر دور المعلم وأثره في التربية، كما يظهر أثر المنهج الدراسي على الصبي من خلال المعارف التي تعطى له، ويظهر أيضًا أثر الخلطة مع الزملاء، وأثر الاحتكاك بالشارع والجيران، وهنا تظهر المشكلة وهو ما إذا كانت هذه المصادر مختلفة وتعمل، في اتجاهات متضادة، فعلى المربي أن يتحسب لذلك، ويقوم بعملية تحصين أولية، فيبين له أن لا يتابع أحدًا من الزملاء أو ممن هم في سنه على قول أو فعل بعد عرضه على مربيه، ويحذر من متابعة من لا يعرفهم، ولو قالوا له: نحن أصدقاء أبيك أو نحو ذلك.
ويحذر أيضًا من ركوب السيارة مع الغرباء، حتى لو قالوا له: نحن نوصلك إلى البيت.
كما يلاحظ السلوك الجديدالذي يطرأ على الصبي، ويتتبعه ويعرف من أين جاء به أو اكتسبه، فإن كان سلوكًا حسنًا أشاد به، وإن كان غير ذلك فليعمل على تعديل المسار، ومن المناسب في ذلك أن يحرص الأب على اختيار المدرسة التي ينتمي إليها ابنه، كما يحرص على اختيار الحي الذي يسكن فيه) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف].
مما سبق يستطيع المربي أن يحدد مرحلة التمييز لدى الطفل والمقصود بها وما يتعلق بها، وكذلك يقف على أهمية المصادر الخارجية وتأثيرها على الطفل في هذه المرحلة فيأخذ حذره.. وللحديث بقية.
عمر السبع