ينذر الوضع في سيناء بأن تتحول شبه الجزيرة المصرية إلى مرتع للتطرف. وإذا لم يغير الجيش المصري من الإستراتيجية التي ينتهجها هناك حاليا، فقد يتطور الوضع إلى أخطر مما هو عليه الآن.
لم يتمكن الجنود المصريين من تجنب السيارة التي انفجرت أمامهم يوم الجمعة (24 أكتوبر/ تشرين الأول 2014) وأدت إلى مقتل 28 جنديا على الأقل وجرح ثلاثين آخرين في شمال سيناء. ساعات قليلة بعد ذلك، قتل ثلاثة جنود آخرين على الأقل، بعدما أطلق إرهابيون الرصاص عليهم في هجوم منفصل على حاجز أمني جنوب العريش.
وقد ردت السلطات المصرية بحزم على هذه التطورات، حيث تم اتخاذ إجراءات سريعة من بينها فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في قسم من شمال ووسط شبه جزيرة سيناء. كما فرض حظر التجول في المنطقة إلى أجل غير مسمى إضافة إلى إغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة. وتم أيضا توسيع صلاحيات المحاكم العسكرية التي أصبحت الآن تنظر في قضايا الهجمات على خطوط النقل والإمداد.
عقود من الإهمال
وقد أصبحت سيناء في الآونة الأخيرة تشكل تهديداً حقيقيا بالنسبة لمصر. فمنذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، قُتل حوالي 400 من رجال الشرطة والجيش على يد المتطرفين الذين يستغلون عدم استقرار الوضع الأمني وتردي الوضع الاقتصادي بالمنطقة.
وتعود مشاكل سيناء إلى عام 1979، بعدما وقعت مصر وإسرائيل على معاهدة السلام التي حصلت إسرائيل بموجبها على حق مراقبة شبه جزيرة سيناء عسكريا، فيما تم تخفيف الحضور العسكري المصري فيها، كما لم تعد الحكومة المصرية تستثمر مبالغ كبيرة في المنطقة. ونتيجة ذلك تولد: "إحباط وغضب كبيران خلال السنوات الثلاثين الماضية لدى السكان"، كما يقول المحلل السياسي خالد الحروب. ويتابع الحروب وهو أستاذ العلوم السياسية بجامعة نورث ويسترن في قطر "هؤلاء الناس تُركوا لحال سبيلهم".
وفي هذا المناخ، نشأ إسلام متشدد هناك، أدى إلى ظهور مجموعات إرهابية مع بداية الألفية الجديدة، حيث تورط أيضاً بعض سكان شبه جزيرة سيناء في سلسلة من التفجيرات الإرهابية التي استهدفت فنادق سياحية جنوب سيناء منذ عام 2004.
أوضاع عراقية في مصر؟
السلطات المصرية تواجه العنف المتزايد في سيناء بيد من حديد. فوفقاً لمجلة "المونيتور" الإلكترونية، قامت السلطات المصرية بمداهمات اعتقل خلالها الآلاف من بدو سيناء دون محاكمات، حسبما ذكر سكان المنطقة للمجلة. وفي كثير من الأحيان يتم هدم منازل المواطنين الذين تورطوا في تنفيذ هجمات إرهابية واعتقال ذويهم.
وقال أحد البدو في تصريح لمجلة المونيتور "إن سيناء قد تتحول إلى أوضاع عراقية في مصر". وأضاف " وقد تتحول أيضا إلى ساحة للجماعات المتطرفة". إنه لا يشير بذلك فقط إلى المناطق الشاسعة التي فقدت الحكومة العراقية السيطرة عليها، بل يشير أيضاً إلى أعمال العنف التعسفي التي يمارسها الجيش ضد كل من يُشتبه في دعمه لتنظيم "الدولة الإسلامية".
وعلى خلاف ما يحدث في العراق، فإن مؤشرات التوتر في سيناء ليست ذات طابع طائفي، غير أن مثل تلك المؤشرات تتجلى في الفوارق بين مجتمع البدو الذين يستقرون تقليديا في سيناء وبقية غالبية المجتمع المصري. وفي هذا السياق كتب الناشط الحقوقي المصري أبو فجر الذي ينتمي إلى عائلة بدوية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "إن الحكومة ترى أنه من الأفضل لسيناء أن لا يكون فيها بدو".
استفادة الجماعات المتطرفة
نهج مثل هذه السياسات تصب في مصلحة المجموعات الإسلامية المتطرفة، وخاصة جماعة "أنصار بيت المقدس" التي تمكنت خلال الأشهر الماضية من تجنيد عدد كبير من المقاتلين. لكن وبسبب الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري منذ أواخر صيف 2013 على الجماعات الإرهابية، اضطرت الجماعة إلى التراجع إلى مناطق يتعذر الوصول إليها في شبه الجزيرة.
وكانت جماعة "بيت المقدس" قد قامت بعرض شريط مسجل على الإنترنت في أواخر آب/ أغسطس الماضي يٌظهر قطع رؤوس أربعة مصريين اتهمتهم الجماعة بتزويد الجيش الإسرائيلي بمعلومات. وتسعى الجماعة من خلال نشر هذا النوع من مقاطع الفيديو إلى استقطاب المزيد من الأنصار لصفوفها. كما قامت الجماعة المتطرفة أيضا بنشر شريط آخر بداية تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وتظهر في الشريط عملية تفجير بيت تعود ملكيته إلى أحد زعماء القبائل، اتهمته جماعة "بيت المقدس" بالتعاون مع الجيش المصري.
الكاتب: كيرستن كنيب/