الحمد لله العلي الأعلى الولي المولى الذي خلق فأحيى وحكم على خلقه بالموت والفناء
والبعث إلى دار الجزاء والفصل والقضاء وأجزل العطاء للموتى وخاصة الشهداء
فأنعم عليهم برؤية الجنان عند أول قطرة من الدماء.
وأصلى وأسلم على أمام الأنبياء والشهداء ، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وعلى سيد الشهداء عمه حمزة ، ومن قام إلىإمام جائر فأمره ونهاه فقتله.
وعلى من نهج نهجه والصحابة والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
لقد كثرت الفوضى،وزاد اللغط في هذا الزمان بالحكم على كل من مات بأنه من الشهداء ، سواء كان مجاهداً مرابطاً أو مسالماً معارضاً، بل أن من المصائب العظمة والطامة الكبرى أن يخرج علينا رجل أزهري في لباس عِلماني وقد عهد عليه الفتاوى الشاذة والفقه الأعوج والفكر الجانح، بأن الراقصة إذا خرجت من بيتها بنية الرزق وماتت فهي من الشهداء فأي ضلال بعد هذا وتأله على الله سبحانه وتعالى، والتجرؤ على أحكام الله بغير علم وتصنيف كل من مات بأنه من الشهداء ، ونشر أقوال ليس لها علاقة بالدين بل هي من الهوى والضلال المبين والانحراف المستبين عن الطريق المستقيم .
اعلموا رحمكم الله ، أن المنهمك في الدنيا المكب في غرورها ، يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت فلا يذكره ، وإن ذكره كرهه ونفر منه ، ثم الناس: (إما منهمك أو تائب مبتدئ أو عارف منته)
فأما المنهمك : فلا يذكره، وإن ذكره فيذكره للتأسف على دنياه، ويشغل بذمه ، وهذا لا يزيده ذكر الموت من الله تعالى إلا بعداً.
وأما التائب المبتدأ: فإنه يكثر ذكر الموت لينبعث به من قلبه الخشية فيفي بتمام التوبة، وربما يكره الموت خيفة أن يتخطفه قبل تمامها أو قبل إصلاح الزاد، وهو معذور في كراهته، ولا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم (من كره لقاء الله كره الله لقاءه)، فإنه إنما يخاف لقاء الله لقصوره وتقصيره. فهو كالذي يتأخر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجه يرضاه، فلا يعدّ كارهاً للقائه ، وعلامة هذا أن يكون دائم الاستعداد له ، لا شغل له سواه، وإلا التحقق بالمنهمك.
وأما العارف لمنته: فإنه يذكر الموت دائما، لأنه موعد لقاء الحبيب، وهو لا ينسى موعد لقاء حبيبه ، وهذا في غالب الأمر يستبطئ مجيء الموت ، ويحبه ليتخلص من دار العاصين، وينتقل إلى جوار رب العالمين، كما قال بعضهم: حبيب جاء على فاقة. فإذا التائب معذور في كراهة الموت، وهذا معذور في حب الموت وتمنيه، وأعلى منهما من فوض أمره إلى الله تعالى، فصار لا يختار لنفسه موتاً ولا حياة ، بل تكون الأشياء إليه أحبها إلى مولاه، فهذا قد انتهى بفرط الحب والولاء إلى مقام التسليم والرضى، وهو الغاية والمنتهى. على كل حال، ففي ذكر الموت ثواب وفضل، فإن النهمك في الدنيا قد يستفيد بذكر الموت المتجافي عن الدنيا، لأن ذكره ينغص عليه نعيمه ويكدره.
ومن أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء:
1- تعجيل التوبة.2-وقناعة القلب.3ـونشاط العبادة.
ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء:
1-تسويف التوبة. 2- وترك الرضى بالكفاف. 3-والتكاسل في العبادة.
فتفكر أيها الإنسان الغافل عن الآخرة ، المنكب على الدنيا وزينتها ، تفكر في الموت وسكرته ، وصعوبة كأسه ومرارته. فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله، كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات. فهل فكرت يا أبن آدم في يوم مصرعك، وانتقالك من موضعك، وإذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصاحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق..؟؟!!.
فيا جامع المال والمجتهد في البنيان، ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب ، وجسمك للتراب والمآب ، فأين المال الذي جمعته؟ فهل أنقذك من الأهوال؟؟!!..
فإلى هؤلاء الغافلين عن الموت والآخرة ، إلى العاصين المعتدين لحدود الله، هذه مقدمة لتذكرة لنفوسنا ، لتعيدنا إلى شاطئ الإيمان والإسلام والتوبة والإنابة والغفران ، قبل فوات الأوان.
لغة: الحاضر والشاهد العالم الذي يبين ما علمه، ومنه قول الله تعالى: ))وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً((البقرة : 143.
وكلمة شهيد مشتقة من الجذر الثلاثي شهد ، ويقال أستشهد أي طلبت شهادته لتأكيد خبر قاطع أو معاينة ، وأستشهد في سبيل كذا أي بذل حياته تلبية لغاية كذا.
اصطلاحا: من مات من المسلمين في سبيل الله دون غرض من الدنيا.
ويطلق لقب الشهيد في الإسلام على من يقتل أثناء الجهاد وحرب الأعداء ، سواء كان الجهاد (طلب) أي لفتح البلاد ونشر الإسلام فيها، أم جهاد (دفع ) أي لدفع العدو الذي هاجم بلاد المسلمين .
للعلماء في ذلك أقوال شتى منها:
1. لأنه حي، فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة .
2. لأن الله ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.
3. لأنه يشْهَد (يرى ) عند خروج روحه ما أُعدّ له من الكرامة.
4. لأنه يُشْهَد له بالأمان من النار.
5. لأن ملائكة الرحمة تشهده عند موته .و تشهد له بحسن الخاتمة.
6. لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره.
7. لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه.
8. لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل.
جاء لفظ الشهيد في القرآن الكريم لمرة واحدة بهذا المعنى.
قال تعالى:(( وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً)) النساء : 72
وهو قول منسوب للمبطلين ساقه الله تعالى في القرآن للبلاغ , وكان وعد الله تعالى لمن يقتل في سبيله ( يستشهد) مغفرة ورحمة كاملة لا ثواب بعدها إلا الجنة.
قال تعالى:((وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ))آل عمران : 157
واما ماورد باللفظ " شهيد " من غير ذلك فلا علاقة له بهذا المعنى
قال تعالى: (( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )) آل عمران: 169ـــ 171
قالوقال تعالى: ((فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )) النساء:74
الشهيد في السُنَّة النبوية
1ـ عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:َ (مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ )رواه البخاري.
وفي رواية: (مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ )رواه مسلم
2ـ وعن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته)رواه أبو داود وابن حبان والبيهقي
3ـ وعن جَابِرَ قَالَ: (جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ مَنْ هَذِهِ فَقَالُوا ابْنَةُ عَمْرٍو أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو قَالَ فَلِمَ تَبْكِي أَوْ لا تَبْكِي فَمَا زَالَتْ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا) رواه البخاري
4ـ وعن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة, ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه)رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد
5ـ وقد سأل مسروق عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى: ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) آل عمران: 16 فقال: (إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: " أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل) رواه مسلم
6ـ وعن أنس أن النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إذا وقف العباد للحساب. جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة فقيل: من هؤلاء ؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء مرزوقين) رواه الطبراني بإسناد حسن